مع الصوفية. فنراه يقول: " فالكلام الأول لابن تيمية! وهو مثبت في أكثر من موضع في كتبه ورسائله. والكلام الثاني أيضا لابن تيمية! وقد تكرر هو الآخر في أكثر من موضع في مؤلفاته. وقد رأيت كيف أن كلا منهما يناقض الآخر مناقضة حادة... فما تفسير ذلك وسببه؟ لا أدري لذلك أي تفسير ولا سبب، ولكني أعلم أنه ما منا إلا من رد ورد عليه إلا المعصوم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم (56).
ولكن الدكتور البوطي الذي يقف حائرا أمام هذا التناقض في كلام شيخ الإسلام لا يجد بدا من الرد عليه وعلى تلامذته منتصرا للتصوف وطرائقه، عندما أخد على نفسه أن يعالج جذور الصراع بين هؤلاء السلفية والمتصوفة.
يقول البوطي: إن هناك أعمالا ومسالك تربوية كثيرة أخرى يأخذ بها بعض الناس أنفسهم، أو يسلكون فيها تلامذتهم، ابتغاء تطهير النفس ما أمكن من هذه الرعونات، وإخضاع القلب للمشاعر والمعاني الإيمانية التي أشرنا إليها، لم يتمخض فيها وجه الصحة من حيث اتفاقها مع أحكام الشرع، كما لم يتمخض فيها دلائل الحرمة أو البطلان من حيث مخالفتها لتلك المبادئ والأحكام. فكانت بذلك أمورا اجتهادية...
فهذه المسالك والأعمال الاجتهادية، التي تتخذ سبيلا إلى التحقق بجوهر الإسلام ولبه، تضل سائغة ومشروعة، شأنها كشأن سائر الفهوم والأعمال الاجتهادية الأخرى. ولا يملك صاحب رأي فيها أن يحتج بالرأي الذي انتهى إليه على ضلال الرأي الآخر الذي انقدح في ذهن صاحبه، كما لا يملك صاحب هذا الرأي أن يبادله النظرة ذاتها...
فمن ذلك التداعي إلى حلقات الذكر في أوقات محدودة، وعلى نحو معين. فإن كثيرا ممن ينتسبون إلى المذهب المسمى " بالسلفية " ينكرون مثل هذا الذكر وينكرون على أصحابه، وينسبونهم إلى الابتداع والضلال، مستدلين