فجعل لا يمكنه حجة عليهم وأوهم أن المنكر لفعله، قد ظلمه فقال أو لم يزني ربي أني أهلا لهذا الأمر، ما تركني وإياه. ولو كره الله ما نحن فيه لغيره. ومرة ثانية لا يجد حجة لسلبه الخلافة من بني هاشم، فيضيف الأمر إلى الله تعالى وإرادته " أنا خازن من خزان الله تعالى، أعطي من أعطاه الله، وأمنع من منعه الله تعالى، ولو كره الله أمرا لغيره...
ومرة أخرى يقول: " إنما أقاتلكم على أن أتأمر عليكم. وقد أمرني الله عليكم "، وحدث من ملوك بني أمية مثل هذا القول (198). وعليه فكل ما فعله معاوية من سفك للدماء المحرمة، وقتل الأبرياء من الصحابة وغيرهم، والظلم الاجتماعي الفظيع الذي ساد فترة حكمه. كان قدرا من الله وليس لمعاوية دخل فيه ولا إرادة. بل إن الله سبحانه وتعالى حسب قول معاوية، راض عن هذا الظلم - سبحانه - إذ لو لم يرضاه لغيره. أنظر إلى قوله: " لو كره الله أمرا لغيره "؟ وهو سبحانه لم يغيره إذا وحسب عقيدة الجبر فإنه فعله وإرادته؟! وهل يستطيع أحد أن يعترض على إرادة الله ومشيئته.
لقد قتل بنو أمية الألوف من المسلمين ظلما وعدوانا، ونهبوا وسرقوا أموال المسلمين، كل ذلك تحت مظلة الجبر، والحق أن هذه العقيدة الفاسدة لم تكن سوى " دعوة سياسية استخدمها بنو أمية ضد العلويين وضد جمهور المسلمين كله " (199). وفي هذه الفترة بالذات وضعت أحاديث الجبر، والتي تلقفها الحشوية وملأوا بها مصادرهم، ليعتبر أئمتهم من بعد واعتمادا عليها، إن الجبر هو عقيدة الإسلام فيقررونه ويعتمدونه.
والأدلة على انتشار القول بالجبر في عهد الأمويين وتشجيعهم له كثيرة جدا، لدرجة أن الأمر استفحل وأوجد فتنة كبيرة بين العامة والخاصة.
والمؤرخون للفرق الإسلامية يعزون ظهور فرقة المعتزلة عندما دخل رجل إلى