العامة من المسلمين، حيث ملأت عليهم وجدانهم لقرون متعددة. ولقد بدأ صبح هذا الليل الجبري الطويل ينبلج شيئا فشيئا مع رفض بعض العلماء والفقهاء والمفكرين من أهل السنة والجماعة تقليد الآباء في هذه المسألة، والدعوة إلى عقيدة الاختيار والمسؤولية، وتبيان الحد الفاصل بين الجبر والاختيار في الحياة الإنسانية.
يقول محمد الغزالي المفكر الإسلامي المعاصر: " لقد شاء الله - لحكمة لا نعلمها - أن يخلقنا ويكلفنا، وقال في وضوح: * (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) * " فجاء من يزعم أن الحياة رواية تمثيلية خادعة! وأن التكليف أكذوبة! وأن الناس مسوقون إلى مصايرهم المعروفة أزلا طوعا أو كرها! وأن المرسلين لم يبعثوا لقطع أعذار الجهل، ومنع الاحتجاج المرفوض، بل المرسلون خدعة تتم بها فصول الرواية أو فصول المأساة.!.
والغريب أن جمهورا كبيرا من المسلمين يجنح إلى هذه الفرية، بل إن عامة المسلمين يطوون أنفسهم على ما يشبه عقيدة الجبر، ولكنهم حياء من الله يسترون الجبر باختيار خافت موهوم.
وقد أسهمت بعض المرويات في تكوين هذه الشبهة وتمكينها، وكانت بالتالي سببا في إفساد الكفر الإسلامي، وانهيار الحضارة والمجتمع.
إن العلم الإلهي الذي ذكرنا شموله وإحاطته وصاف كشاف. يصف ما كان ويكشف ما يكون، والكتاب الدال عليه يسجل للواقع وحسب! لا يجعل السماء أرضا ولا الجماد حيوانا، إنه صورة تطابق الأصل بلا زيادة ولا نقص، ولا أثر لها في سلب أو إيجاب.
وعندما يذكرنا ربنا بهذا كله فلكي يكشف لنا جانبا من عظمته حتى نقدره حق قدره.
وعندما نتعلم من أن ما نجهل من مستقبل، هو مكشوف لديه فليس معنى هذا أن الامتحان الذي نتعرض له صوري وأننا مسوقون إلى هذا المستقبل