المتشابهات على حقائقها، ولا ريب أن حقائقها تستلزم الحدوث وأعراض الحدوث كالجسمية والتجزء والحركة والانتقال. لكنهم بعد أن أثبتوا تلك المتشابهات على حقائقها ينفون هذه اللوازم، مع أن القول بثبوت الملزومات ونفي لوازمها تناقض لا يرضاه لنفسه عاقل فضلا عن طالب أو عالم.
فقولهم في مسألة الاستواء الآنفة: إن الاستواء باق على حقيقته، يفيد أنه الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز. وقولهم بعد ذلك: ليس هذا الاستواء على ما نعرف، يفيد أنه ليس الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز. فكأنهم يقولون: إنه مستو غير مستو، ومستقر فوق العرش أو متحيز غير متحيز وجسم غير جسم. أو أن الاستواء على العرش ليس هو الاستواء على العرش. والاستقرار فوقه ليس هو الاستقرار فوقه. إلى غير ذلك من الإسفاف والتهافت.
فإن أرادوا بقولهم: الاستواء على حقيقته: أنه على حقيقته التي يعلمها الله ولا نعلمها نحن، فقد اتفقنا، ولكن بقي أن تعبيرهم هذا موهم.. لا يجوز أن يصدر من مؤمن، خصوصا في مقام التعليم والإرشاد وفي موقف النقاش والحجاج.
لأن القول بأن اللفظ حقيقة أو مجاز لا ينظر فيه إلى علم الله وما هو عنده، ولكن ينظر فيه إلى المعنى الذي وضع له اللفظ في عرف اللغة. والاستواء في اللغة العربية يدل على ما هو مستحيل على الله في ظاهره، فلا بد إذن من صرفه عن هذا الظاهر. واللفظ إذا صرف عما وضع له واستعمل في غير ما وضع له خرج عن الحقيقة إلى المجاز لا محالة. وما دامت هناك قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ثم إن كلامهم بهذه الصورة فيه تلبيس على العامة وفتنة لهم فكيف يواجهونهم به ويحملونهم عليه، وفي ذلك ما فيه من الإضلال وتمزيق وحدة الأمة، الأمر الذي نهانا القرآن عنه والذي جعل عمر يفعل ما يفعل بابن صبيغ -