واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر، فاقترفوا فيه فرقتين، فمنهم: من أوله على وجه يحتمل اللفظ ذلك، ومنهم: من توقف في التأويل وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شئ، فلا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شئ منها، وقطعنا بذلك، إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ومثل قوله:
(خلقت بيدي) ومثل قوله: (وجاء ربك) إلى غير ذلك، ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف ورد بالاعتقاد بأن لا شريك له، وليس كمثله شئ، وذلك قد أثبتناه يقينا.
ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف فقالوا: لا بد من إجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها كما وردت، من غير تعرض للتأويل ولا توقف في الظاهر، فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف.
ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود، لا في كلهم، بل في القرائين منهم، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا تدل على ذلك ".
قال: " حتى انتهى الزمان إلى: عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلاني، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنف بعضهم، ودرس بعض، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية.
ولما كانت " المشبهة " و " الكرامية " من مثبتي الصفات عددناهم فرقتين