يكون هو الأحق، لأنه لو لم يكن ذلك للزم إما جهلهم وإما ظلمهم... وكلاهما منتف، لأنهم أعلم بعثمان وعلي منا... وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم وأعظم، فإن ذلك قدح في عدالتهم!
والثاني: الطريق النظرية، فقد ذكر ذلك من ذكره من العلماء فقالوا:
عثمان كان أعلم بالقرآن، وعلي أعلم بالسنة. وعثمان أعظم جهادا بماله، وعلي أعظم جهادا في نفسه. وعثمان أزهد في الرياسة، وعلي أزهد في المال.
وعثمان أورع عن الدماء، وعلي أورع عن الأموال. وعثمان حصل له من جهاد نفسه حيث صبر عن القتال ولم يقاتل ما لم يحصل مثله لعلي... وسيرة عثمان في الولاية كانت أكمل من سيرة علي.
فقالوا: فثبت أن عثمان أفضل، لأن علم القرآن أعظم من علم السنة...
وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب، وكان أحيانا يقرؤه في ركعة، وعلي قد اختلف فيه: هل حفظ القرآن كله أم لا؟ والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس...
وأيضا، فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله لعلي... وأما الزهد والورع في الرياسة والمال، فلا ريب أن عثمان تولى ثنتي عشرة سنة، ثم قصد الخارجون عليه قتله وحصروه وهو خليفة الأرض والمسلمون كلهم رعيته، وهو مع هذا لم يقتل مسلما ولا دفع عن نفسه بقتال، بل صبر حتى قتل، لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء ما لا يعطيه لغيرهم... وعلي رضي الله عنه لم يخص أحدا من أقاربه بعطاء، لكن ابتدأ بالقتال لمن لم يكن مبتدئا بالقتال، حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين... والمقصود أن كليهما - رضي الله عنه - وإن كان ما فعله فيه هو متأول مجتهد، يوافقه عليه طائفة من العلماء المجتهدين، الذين يقولون بموجب العلم والدليل، ليس لهما عمل يتهمون فيه، لكن اجتهاد عثمان كان أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة، فإن الدماء خطرها