ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية التقية أوضح من أن يحتاج إلى بيان، لأن ما يخافه المؤمن من تهديد ووعيد الكافر أو المسلم الظالم، لا شك أنه يخلق شعورا لديه بامتهان كرامته لو امتنع عن تنفيذ ما أريد منه، لأنه معرض - في هذه الحال - إلى بلاء، فإن عزم على اقتحامه وهو لا يطيقه فقد أذل نفسه، هذا مع أن بإمكانه أن يخرج من هذا البلاء بالتقية شريطة أن لا تبلغ الدم، لأنها شرعت لحقنه.
قال الإمام الباقر عليه السلام: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية (1).
الحديث الخامس: في تقية المؤمن الذي كان يخفي إيمانه وقتله المقداد:
وهو ما رواه الطبراني، بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: قتلت رجلا قال: لا إله إلا الله، والله ليذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: يا رسول الله! إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد؟ فقال: ادعوا لي المقداد، فقال: يا مقداد قتلت رجلا قال:
لا إله إلا الله، فكيف لك ب (لا إله إلا الله)؟ قال: فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا * فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله