وقد بين الرازي أن في المسألة قولين:
الأول: إن هذا المؤمن لما سمع قول فرعون: (ذروني أقتل موسى) لم يصرح بأنه على دين موسى عليه السلام بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه، مبينا أن المصلحة تقتضي ترك قتله، لأنه لم يرتكب ذنبا وإنما كان يدعو إلى الله عز وجل، وهذا لا يوجب القتل.
الثاني: إنه كان يكتم إيمانه، ولما علم بقول فرعون المذكور أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى وشافه فرعون بالحق (1).
على أن تقيته واضحة جدا حتى على القول الثاني، لأنه رضي الله عنه كان قد أظهر إيمانه وشافه فرعون بالحق بعد أن كتمه بتصريح القرآن الكريم، وكتمان الحق وإظهار خلافه هو التقية بعينها.
وهذا الرجل العظيم لم يصفه القرآن الكريم بالنفاق، ولا بالمحتال المخادع، بل وصفه بأشرف الصفات وأعظمها عند الله عز وجل، صفة الإيمان.
وكيف كان، فقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال، عن ابن النجار، عن ابن عباس، وعن أبي نعيم في الحلية، وابن عساكر، عن ابن أبي ليلى مرفوعا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)، والثالث:
علي بن أبي طالب، وهو أفضلهم (2).