فانظر إلى قوله تعالى: ﴿ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون﴾ (١).
ستعلم أن قول المؤذن كان بتدبير يوسف عليه السلام وعلمه، وهو لم يكذب عليه السلام، لأن أصحاب العير كانوا قد سرقوه من أبيه وألقوه في غيابات الجب حسدا منهم وبغيا.
ومما يدل على صدق يوسف عليه السلام أن إخوته لما قالوا له بعد ذلك:
﴿يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه﴾ (٢). لم يقل عليه السلام لهم بأنا لا نأخذ إلا من سرق متاعنا، بل قال لهم: ﴿معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده..﴾ (٣).
وبالجملة فإن تقية النبي يوسف عليه السلام إنما هي من جهة ظهوره بمظهر من لا يعرف حال إخوته مع إخفاء الحقيقة عنهم مستخدما التورية في حبس أخيه . وعليه تكون تقيته هنا ليست من باب الأحكام وتبليغ الرسالة حتى يزعم عدم جوازها عليه، بل كانت لأجل تحقيق بعض المصالح العاجلة كاحتفاظه بأخيه بنيامين، والآجلة كما يكشف عنها قوله لهم بعد إن جاءوا من البدو: ﴿أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ (4).
وجدير بالذكر أن البخاري قد أخرج في صحيحه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - من طريقين - أنه قال:.. ولو لبثت في السجن ما لبث