تمييز خبر التقية عن غيره:
وهنا يجب التأكيد على مسألة في غاية الأهمية، وهي أن جملة من الأخبار التي صدرت تقية عن أهل البيت عليهم السلام لم يصل إلينا إعلام منهم عليهم السلام بأنها كانت كذلك وإن كان المقطوع به أنهم أعلموا المقربين إليهم بواقع الحال، لكنه لم يصل هذا الإعلام إلينا.
ولأجل تمييز تلك الأحاديث عن غيرها أصبح الرجوع إلى فقهائنا الأقدمين رضي الله تعالى عنهم كافيا في المقام، لأن عدم عملهم بجملة من الأخبار المعتبرة الإسناد دال بطبيعته على أن أخبار التقية هي من ضمن المجموعة التي أعرض عنها الفقهاء، ومعنى هذا انتفاء وجود علم إجمالي بوجود أخبار التقية ضمن الأخبار المعمول بها فعلا في استنباط الأحكام، كما أن حصول الوثوق في بعض الأخبار بعدم صدورها لبيان الحكم الواقعي بسبب شهرة الأعراض عنها - مع سلامة سندها - يسقطها عن الاعتبار لأنها مسوقة في دائرة التقية.
هذا، زيادة على وجود جملة من الأسس والقواعد المستفادة بصورة أو أخرى من كلمات أهل البيت عليهم السلام في تمييز الأخبار ونقدها ومعرفة ما صدر منها تقية عما صدر بنحو الإرادة الجدية، ومن بين تلك الأسس والقواعد ملاحظة ما يتعلق بالخبر من الأمور الخارجية عند التعارض، إذ يعرف خبر التقية الذي لا بد وأن يكون معارضا لما صدر في قباله في بيان الحكم الواقعي من خلال وجوه الترجيح: كاعتضاد أحدهما بدليل آخر معتبر، أو بلحاظ الإجماع على العمل بأحدهما، أو شهرة العمل به، وشذوذ الخبر الآخر وعدم شهرته، أو بموافقة أحدهما للعامة، ومخالفة الآخر.