فأتاه محمد بن مسلمة، فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا، وإني قد أتيتك استسلفك.. الخبر) (1).
ثم ذكر البخاري تمام القصة التي انتهت بقتل ابن الأشرف على يد محمد بن مسلمة وجماعته من الصحابة الذين أرسلوا معه.
وفي أحكام القرآن لابن العربي، أن الصحابة الذين كلفوا بقتل ذلك الخبيث، وكان محمد بن مسلمة من جملتهم، أنهم قالوا: (يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك؟) فأذن لهم (2).
ولا يخفى أن ما طلب من الإذن، إنما هو لأجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول المخالف للحق بغية الوصول إلى مصلحة إسلامية لا تتحقق إلا من هذا الطريق، فجاء الإذن الشريف بأن يقولوا ما يشاؤون بهدف الوصول إلى تلك المصلحة.
ومنه يعلم صحة ما مر سابقا بأن التقية كما قد تكون بدافع الإكراه، قد تكون أيضا بغيره، كما لو كان الدافع إليها غاية نبيلة ومصلحة عالية.
ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده، والطبري، وعبد الرزاق ، وأبو يعلى، والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن علاط السلمي وقصته بعد فتح خيبر، إذ استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن يذهب إلى مكة لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول شيئا يسر المشركين، فأذن له النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وفعلا قد ذهب إلى مكة ولما قرب منها رأى رجالا من المشركين يتسمعون الأخبار ليعرفوا ما انتهى إليه مصير المسلمين في غزوتهم