شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٦٠٦
الحسين بن علي عليه السلام بين يدي يزيد بن معاوية وكان بيده قضيب فكشف عن شفتيه وثناياه ونكتهما بالقضيب وتمثل بالأبيات المشهورة، ليست أشياخي ببدر شهدوا فرأى تغير وجوه أهل الشام مما شاهدوا منه وثقل عليهم ما جرى على أهل البيت عليهم السلامخاف مما شاهد من الناس عند ذلك فقال أتدرون من أين دهى أبو عبد الله الحسين عليه السلام فقالوا لا قال إنما دهى من حيث الفقه كأني به وقد قال أنا خير من يزيد وأبي خير من أبيه وأمي خير من أمه وجدي خير من جده وعمي خير من عمه وخالي خير من خاله وأما أنا فقد رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعني في حجره وحملني على ظهره وجعلني ريحانته وشهد لي بأني سيد شباب أهل الجنة ودعا لي ولنسلي بالبركة فأنا أحق بهذا الأمر من يزيد. ولكن ما لحظ قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) فسرى عن وجوه أهل الشام ما كانوا فيه لما سمعوه منه وظنوا أن الأمر كما قال وليس تأويل الآية ما ذكر ولا أراد الله تعالى ما ذهب الجاهل وإنما أراد الباري سبحانه بالملك الذي أضافه إليه إنما الملك بالحق والاستحقاق والعدل وتعز من تشاء بالطاعة التي يطاع بها في الدنيا والآخرة بالجنة والثواب وتذل من تشاء بالمعصية وقيام الحد عليه في الدنيا، وفي الآخرة عذاب النار. وأما التغلب على الملك وأخذه بغير استحقاق فلا يقال إنه داخل في الآية الشريفة وقد انتقم الله عز وجل في الدنيا من كل من أعان على الحسين عليه السلام.
وخرج عليه على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي أخذ كل من شهدبقتل الحسين بأقبح المثلات وأشنعها فلم يبق من الستة آلاف الذين قاتلوه بغير عمر بن سعد بن أبي وقاص أحد ولما أحضر عمر بن سعد بين يدي المختار قال والله هذا رجل يرضى بقتله أهل السماوات وأهل الأرض ثم أمر بقطع يديه ورجليه واحدة واحدة وسمل عينيه ثم أحرقه حيا وكان ولده حفص حاضرا وهو ابن أخت المختار فقال قتلتم أبا حفص لا خير في الحياة بعده فقال المختار صدقت والله لا خير لك فيها بعده اضربوا عنقه فضربت بين يديه ولم يأخذه لقرابة إليه عليه رأفة ثم قال عمر بالحسين عليه السلام وحفص بعلي بن الحسين ولا سواء والله لو قتلت بالحسين ثلاثة أرباع قريش ما وفوا ولا بأنملة منه. ثم قتلالشمر بن ذي الجوشن الضبابي أقبح قتلة أوطأ الخيل صدره وظهره حيا حتى هلك لعنه الله وأما ابن زياد فإنه لما خرج من الكوفة قاصدا الشام استعمل على الكوفة من يثق به فخرج المختار عليه فقتله واستولى على الكوفةوقتل كل من خرج منها لقتال الحسين فبلغ ذلك ابن زياد فتجهز في ثلاثين ألفا من الشام فبلغ ذلك المختار فجهز إليه إبراهيم بن مالك الأشتر في سبعة آلاف وذلك في سنة سبع وستين فالتقيا على الزاب فقتله إبراهيم وكان من غرق أكثر ممن قتل والذي قتل ابن زياد شريك بن حريز التغلبي ثم إن إبراهيم أرسل برأس ابن زياد والفئ رأس إلى المختار فجلس في قصر الإمارة وألقيت الرؤس بين يديه فأمر بفرش الأنطاع عليها ثم جلس على الأنطاع وأمر بموائد الطعام فنصبت ثم قال الآن طاب الغذاء ثم أمر بإحراقها فقتل الله قتلةالحسين عليه السلام وقطع الله عز وجل نسلهم ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرهم الله في المشرق والمغرب حتى لم يكن بقعة في بلاد الاسلام إلا وفيها منهم والسر في ذلك:
إن الله تبارك وتعالى بارك عليهم فقال سبحانه (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) والدعاء لهم على لسان كل مصل إلى يوم القيامة وهو قوله اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال أبو القاسم السمناني وأعجب ما شوهد أن نسل الحسين عليه السلام ألوف في الدنيا رجال ونسأ لا يمكن حصرهم ولم يخلف ذكرا سوى زين العابدين عليه السلام ولا يعرف ليزيد نسل في الدنيا بل قرض الله نسله وأخلاهم من الدنيا ومات عن عشرين ذكرا وهذا سر من أسرار الله تعالى مجازاة لبني أمية على ما ارتكبوه من آل بيت الرسول لما أرادوا إبادتهم وإطفاء نورهم. قال تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون) قال إبراهيم النخعي والله لو كنت فيمت قاتل الحسين وأتتني المغفرة من ربي وأدخلني الجنة لاستحييت أن أمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر وجهي.
وقال العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشقلابن عساكر) ج 28 ط دار الفكر قال:
عن عمر بن شبة قال: لما حج الناس في خلافة معاوية جلس يزيد بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه ابن عباسوالحسين بن علي، فأمر بشرابه فرفع. وقيل له: إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه، وأذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب، فقال: لله در طيبك هذا ما أطيبه، وما كنت أخشى أحدا يتقدمنا في صنعة الطيب، فما هذا يا بن معاوية؟ فقال:
يا أبا عبد الله، هذا طيب يصنع بالشام. ثم دعا بقدح فشربه. ثم دعا بآخر، فقال: اسقي أبا عبد الله يا غلام، فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء، فلا عين عليك مني. فشرب يزيد، وقال: [من الهزج]:
ألا يا صاح للعجب * دعوتك ثم لم تجب إلى القينات والشهوات * والصهباء والطرب وباطية مكللة * عليها سادة العرب وفيهن التي تبلت * فؤادك ثم لم تثب فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يا بن معاوية تبلت!