التي يأوي إليها المؤمنون، وينجو بها المتمسكون. فما قولك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حيرتنا في القدر، واختلافنا في الاستطاعة؟ لتعلمنا بما تأكد عليه رأيك، فإنكم ذرية بعضها من بعض، يعلم الله علمكم، وهو الشاهد عليكم، وأنتم شهداء على الناس، والسلام.
وحينما وصله الخطاب أجابه قائلا: أما بعد: فقد انتهى إلي كتابك، عند حيرتك وحيرة من زعمت من أمتنا، والذي عليه رأي: أن من لم يؤمن بالقدر خيره وشره، فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لا يطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة، ولا يهمل العباد من المملكة، ولكنه المالك لما ملكهم، والقادر على ما غلب عليه قدرتهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن لهم صادا، ولا لهم عنا مثبطا، فإن أتوا بالمعصية، وشاء أن يمن عليهم، ويحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجبارا، ولا ألزمهم إياه إكراها باحتجاجه عليهم، أن عرضهم ومكنهم، وجعل له السبيل إلى أخذ ما دعاهم إليه، وترك ما ينهاهم عنه، ولله الحجة البالغة والسلام.
ثم يعلق الهجويري على هذا فيقول: ويقصد الحسن أن العبد مختار في كسبه بقدر استطاعته من الله عز وجل والدين بين الجبر والقدر، ولم يكن مرادي من هذا الخطاب إلا هذه الكلمة، ولكني أوردتها بجملتها، لأنها بينة الفصاحة والبلاغة، وقد أوردتها لأبين إلى أي درجة بلغ رضي الله عنه في علم الحقائق والأصول، فإشارة الحسن البصري بالرغم من بلاغتها، تعد من بد العلم.
وقد قرأت أنه بينما كان الحسن بن علي جالسا عند باب داره في الكوفة، إذ جاء أعرابي فسبه وسب أباه وأمه، فنهض الحسن بن علي قائلا: أيها الأعرابي، أجوعان أنت حتى أطعمك، أم ظمآن حتى أرويك، أم ماذا بك؟ فلم يلتفت الأعرابي إليه، بل استمر في سبابه، فأمر الحسن عبده أن يأتي بكيس من الفضة، ثم أعطاه للرجل قائلا:
عفوا أيها الأعرابي، فليس لدي غيره، ولو كان لدي المزيد لأعطينك، وعندما سمع