فلقد أزال قبر الحسين وحرثه حتى لا يزار. وشتت شمل شيعته وفرقهم في النواحي. فمنهم من حبسوا ومنهم من تواروا حتى ماتوا في مهربهم - وتناقل الناس أشعارا منسوبة إلى ابن السكيت عالم النحو الكبير، وكان يعلم ولدي المتوكل. وفي هذه الأشعار:
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على ألا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما!
وربما أراد المتوكل أن يتيقن من صدور هذا الشعر من ولا العالم حين سأله:
أيهما أحسن: ولداي (المؤيد والمعتز) أم الحسن والحسين؟... ولم يرضه جوابه.
فأمر بقتله فقتلوه. ولم يلبث المتوكل إلا قليلا حتى قتله ابنه (المنتصر) في مؤامرة!
وإنما كانت فظاعة الجريمة الأخيرة قصاصا عجلت به السماء لمقتل عالم آثر الصدق.
ولم يصلح للعلويين بال إلا أشهرا بعد مصرع المتوكل. ليعود البطش بهم إلى عنفوانه في أيام المستعين. فمنهم من خرج وخرج الناس معه، كيحيى بن عمر خرج فقتل. ومنهم من خرج ولم يخرج الناس معه، فحبس ليموت سنة 271. وهو الحسن بن محمد المعروف بالحرون. ومنهم محمد بن جعفر خرج وحبس حتى مات في سامراء ليتتابع سجل الشهداء..
نقف عن السرد، عند أبيات لابن الرومي (321 - 384) من جيميته في رثاء يحيى بن عمر بعد مقتله إذ خرج على بني العباس في القرن الرابع من جراء ظلمهم:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج * طريقان شتى مستقيم وأعوج أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج؟
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكمو عما قليل مفرج أبعد المسمى بالحسين شهيدكم * تضاء مصابيح السماء فتسرج؟