وبالجملة، فالتفريق حسن مع حصول التبين فيه على كل تقدير، لا على التوافق المعارض بتقدير التخالف الموجب لاسقاط البينة والحكم باليمين من دون ظن بالواقع، مع استلزامه لتفويت حق المدعي عرفا.
ومما يؤيد ما ذكرنا من عدم وضوح مدرك لحسن المداقة في أسباب الحكم: أنه لو كان حسنا من باب الاستظهار لم يفرق فيه بين ثبوت الريبة وعدمها إذا فرضنا عدم حصول عنت للشهود بالمبالغة في السؤال عن المشخصات.
ويؤيده أيضا ما اشتهر من قولهم: " نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر " ومثل قوله: " إنما أقضي بينكم بالبينات، ولعل بعضكم ألحن بحجته، وإنما أقضي على نحو ما أسمع، فمن اقتطعت له قطعة من مال أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار " (1) فإن المستشم من ذلك عدم المداقة في سؤال المتداعيين أو الشهود عن الخصوصيات التي يتغير الحكم بها، ولذا لو بالغ القاضي في الاستفسار عن الشهود يتهمه المدعي بإرادة إبطال حقه.
وكيف كان، فالظاهر عدم جواز ذلك بعد تحقق شرائط قبول الشهود لتحقق سبب الحكم شرعا فيثبت للمدعي حق الحكم، ولذا لو التمس من الحاكم الحكم وجب عليه، فالاستفسار معرض لحقه للسقوط، (وتحرم الرشوة (2)).