ومن أجل ذلك اختلف الفتاوى حتى من المفتي الواحد في الكتاب الواحد على ما حكي، فذهب ابن إدريس في أول كتاب النكاح إلى القول بالعشر، وجعله الأظهر في الفتوى والصحيح، ورجع عنه في باب الرضاع، وحكم بأن الخمس عشرة هو الأظهر من الأقوال وقال: " وقد حكينا الخلاف فيما مضى، واخترنا هناك التحريم بالعشر، وقويناه، والذي أفتي به وأعمل عليه الخمس عشرة، لأن العموم قد خصه جميع أصحابنا المحصلين، والأصل الإباحة، والتحريم طار، فبالاجماع من الكل تحرم الخمس عشرة، فالتمسك به أولى وأظهر، لأن الحق أحق أن يتبع ".
وذهب العلامة في التذكرة والإرشاد والتبصرة والتلخيص وظاهر القواعد والتحرير إلى القول بالخمس عشرة، ونص في الأول على أنه المشهور، وبالغ في تقويته، ثم رجع عنه في المختلف، واختار القول بالعشر، واحتج عليه بعمل الأكثر.
وقال في اللمعة: " ويشترط أن ينبت اللحم ويشد العظم أو يتم يوما وليلة أو خمس عشرة رضعة، والأقرب النشر بالعشر ".
وقال أبو العباس في المهذب: " من شرائط الرضاع ارتضاع المقدر الشرعي، وهو ثلاث: ما أنبت اللحم وشد العظم، أو رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة " ثم خص فيه وفي المقتصر على النشر بالعشر.
بل اختلف كلماتهم في الأشهر من القولين، ففي المختلف والمنتصر وغاية المرام ونهاية السيدان العشر هو قول الأكثر، وفي الروضة أنه قول المعظم، وفي التذكرة وزبدة البيان والمفاتيح أن المشهور هو الخمس عشرة، وعزاه في كنز العرفان إلى الأكثر، وفي كنز الفوائد إلى عامة المتأخرين، وفي المسالك إلى أكثرهم، قال: " وأكثر القدماء على القول بالعشر " ورفع بذلك التنافي بين كلامي العلامة في المختلف والتذكرة قلت: الانصاف أن شهرة الخمس عشرة عند المتأخرين محققة، وأما القدماء فإنه وإن ذهب كثير منهم إلى العشر كالعماني والمفيد والقاضي والديلمي والحلبي