إذا عرفت ذلك فالمتجه حينئذ تفسير القربة بما يظهر من بعضهم من موافقة الإرادة وقصد الطاعة والامتثال، فإنه حينئذ يدل عليه جميع ما دل على وجوب الاخلاص كتابا وسنة، كقوله تعالى (1): " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " مضافا إلى توقف تحقق قصد الطاعة والامتثال المأمور بهما في الكتاب والسنة عليها، لا يقال:
أن القول باشتراط القربة بالمعنى المتقدم قد يكون منشؤه الاجماع على وجوبها مع ظهورها في ذلك، وبه تمتاز عن نية غيرها من قصد جلب الثواب أو دفع العقاب، بل مما يرشد إليه ما نقل عن ابن طاووس في البشرى أنه قال: " لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة، لكنا علمنا يقينا أنه لا بد من نية القربة، ولولا ذلك لكان هذا من باب " اسكتوا عما سكت الله عنه " (2) انتهى. فإن قوله ولولا ذلك إلى آخره ظاهر في إرادة القربة بالمعنى الأول، وإلا ففي المعنى الثاني لا يكون من باب " اسكتوا عما سكت الله عنه " لأنا نقول أما دعوى الاجماع على اشتراط نية القربة بالمعنى المتقدم إن لم يكن ممنوعا فهو محل الشك، وما ذكره من كلام ابن طاووس لا دلالة فيه على ذلك، لأنه قد يكون المقصود منه المعنى الثاني، ولولا ما ذكرنا من الأدلة عليه من توقف الإطاعة والامتثال وأدلة الاخلاص التي أفادتنا اليقين بذلك لكان من باب " اسكتوا عما سكت الله عنه " وهو كذلك، واحتمال القول أنه لا فرق معنوي بين المعنى الأول للقربة والثاني فيه ما لا يخفى، نعم قد يظهر من ابن زهرة في الغنية إيجاب معنيي القربة، متمسكا للأول منهما بنحو قوله تعالى (3) " اسجد واقترب "