ولا أظن نحوي فهيم يرى أن المصدر بهيئته - مثلا - مبدأ للمشتقات؛ لأن هيئة المصدرية أيضا، وإن حكي عن الكوفيين: أنه المصدر، كما حكي عن البصريين: أنها الفعل، إلا أن يريد معنى سنشير إليه بيانه. هذا كله في جانب المادة.
وهكذا في جانب الهيئة؛ بأن تصور زنة الفاعل - مثلا - في ضمن مادة من المواد؛ بحيث لم تكن المادة ملحوظة إلا آلة وعبرة للحاظ الهيئة. فوضع الهيئة للمعنى نظير ما ذكرنا في وضع المعاني الحرفية؛ حيث يلحظ المعنى الاسمي، فيوضع اللفظ للمعنى الحرفي وما يكون مصداقا له، هذا كله بحسب مقام الثبوت والإمكان.
فظهر وتحقق لك: إمكان وضع المادة في ضمن هيئة للمعنى اللا بشرط، وإمكان وضع الهيئة في ضمن معنى اسمي للمعنى الحرفي.
وأما بحسب مقام الإثبات والتصديق:
فنقول: لا يهمنا إثبات حالها في أول الأمر، وأما بعدما صارت اللغة حية ووقعت بأيدينا فنقول: إن القول بوضع المادة والهيئة معا لكل واحد واحد من المشتقات خلاف الوجدان والضرورة، مضافا إلى لزومه الوضع الشخصي في المادة والهيئة. ولا أظن الالتزام به من أحد.
مع أنا قد نعلم معنى المادة ونجهل معنى الهيئة، وقد يكون بالعكس، مثلا:
تارة يعلم أن القرض بمعنى القطع، لكن لم يعلم أن زنة المقراض لأي شئ، وأخرى يعلم أن زنة المقراض اسم الآلة، ولكن لم يعلم معنى القرض. فانفكاك كل من المادة والهيئة في الدلالة دليل على أن لكل من المادة والهيئة وضع على حدة، ولم يوضعا معا بالوضع الشخصي.