ولكن يمكن الجواب عنه: بأنه وضعت هيئة المصدر واسمه لإمكان التنطق بالمادة، لا لإفادة للمعنى وراء ما أفيد مادتهما؛ وذلك لما عرفت: أن المادة من حيث هي هي لا يمكن التنطق بها، وحيث إنه قد تمس الحاجة إلى إظهار نفس المادة - أي الطبيعة اللا بشرط - فوضعت هيئة المصدر واسمه من المشتقات اللفظية فقط، بخلاف سائر المشتقات؛ فإنها تكون من المشتقات المعنوية؛ لعدم دلالة هيئة المصدر واسمه على معنى غير معنى المادة، بخلاف سائر الهيئات.
إن قلت: لو كانت هيئة المصدر وضعت لإمكان التنطق بالمادة فما السبب إلى وضع اسم المصدر لذلك أيضا؟
قلت: يمكن أن يقال: إن ذلك من جهة إلحاق بعض اللغات ببعض.
إن قلت: غاية ما تقتضيه مقالتكم إنما هي بالنسبة إلى وضع هيئة واحدة للمصدر، مع أنه ترى لبعض المصادر المجردة أوزان متعددة؛ فلا يصح القول بكون وضع هيئات المصادر المجردة لإمكان التنطق بالمادة.
قلت: لم يثبت أن الأوزان المتعددة من واضع واحد وشخص فارد، ولعلها من أشخاص وطوائف مختلفة، فاختلطت بعضها ببعض؛ فصارت لغة واحدة.
مع أن مرجع هذا الإشكال إلى الإشكال على وجود الترادف في اللغة لا اختصاص له بما نحن فيه، والجواب عن إشكال الترادف في اللغة هو الجواب في المقام.
فتحصل مما ذكرنا: صحة وضع هيئة المصدر واسمه على نفس الطبيعة اللا بشرط، مع دلالة المادة على ذلك، فتدبر.
الإشكال الثالث: هو أنه لو كان لكل من المادة والهيئة وضع على حدة تلزم دلالة المادة على معناها لو تحققت في ضمن هيئة مهملة، وكذا تلزم دلالة الهيئة على معناها لو تحققت في ضمن مادة غير موضوعة، مع أنه ليس كذلك.