وضع يخصه، فعليه يقع البحث في ما وضع له المادة والهيئة؛ فإن المادة لأي شئ وضعت؟ والهيئة لأي أمر وضعت؟
فنقول: لا يخلو في مقام الثبوت: إما أن نقول بوضع المادة عارية عن جميع الجهات إلا عن جهة ترتب حروفها لمعنى لا بشرط، أو لم نقل كذلك. وعلى الثاني لابد من تجشم وضع المادة في ضمن كل سيئة لمعنى؛ لأن دلالة الألفاظ بعدما لم تكن ذاتية تكون تابعة للوضع، وواضح: أن مادة " ضرب " تدل على معنى غير ما تدل عليه مادة " يضرب "؛ لعدم محفوظية ما تدل على المادة لولا وضعها للمادة المشتركة.
وأما لو قلنا بوضع المادة لمعنى لا بشرط فلا نحتاج إلى تكلف وضع لكل واحد منها، بل لو أمكن الوضع كذلك يكون الوضع على النحو الآخر لغوا مستهجنا.
فيقع الكلام: في إمكان الوضع لكل من المادة والصورة، بعد عدم انفكاك إحداهما عن الأخرى، بل يكون احتياج إحداهما إلى الأخرى نظير احتياج الهيولى إلى الصورة في الحقائق الخارجية.
فكما أن كلا من الهيولى والصورة محتاجة إلى الأخرى في التحقق، ولا يمكن أن يقال إن وجود الصورة مقدم على الهيولى أو بالعكس، فكذلك المادة والهيئة فيما نحن فيه؛ فلا يصح أن يقال إن المادة مع الهيئة الموضوعة وضعت لمعنى، أو الهيئة مع المادة الموضوعة وضعت لكذا.
بل يمكن أن يقال: إن المحذور فيما نحن فيه أشد من المحذور في باب الهيولى والصورة؛ لأنه يمكن أن يقال هناك: إن الهيولى والصورة وجدتا معا، من دون تقدم وتأخر، وأما فيما نحن فيه فحيث إن الغرض إرادة الوضع لكل من المادة والهيئة على حدة ومستقلا فلا يمكن أن يقال إنهما وضعتا معا، وهو واضح.