والحكومة الواقعية هي حكومة الأدلة الواقعية بعضها على بعض، وحيث إن المجعول في دليل الحاكم في عرض دليل المحكوم فيوجب ذلك التوسعة أو التضييق في دليل المحكوم، كقوله (عليه السلام): " لا شك لكثير الشك " (1) حيث إنه يكون في عرض مثل قوله (عليه السلام): " إن شككت فابن على الأكثر " (2)، فيكون حاكما عليه، فهو تخصيص بلسان الحكومة. والتعبير عنه بالحكومة دون التخصيص إنما هو باعتبار عدم ملاحظة النسبة بين الدليلين.
والحكومة الظاهرية هي حكومة الطرق والأمارات والأصول بالنسبة إلى الأحكام الواقعية، وحيث إن المجعول فيها في طول المجعول الواقعي وفي الرتبة المتأخرة عنه - خصوصا بالنسبة إلى الأصول التي أخذ الشك في موضوعها - فلا يمكن أن يكون المجعول الظاهري موسعا أو مضيقا للمجعول الواقعي.
وبالجملة: المجعول الظاهري إنما هو واقع في مرتبة إحراز الواقع، والبناء العملي عليه بعد جعل الواقع وانحفاظه على ما هو عليه من التوسعة والتضييق، فلا يمكن أن يكون المجعول موسعا أو مضيقا للمجعول الواقعي، ولا توجب تصرفا في الواقع أبدا. وغاية ما هناك حكومة ظاهرية يترتب الآثار ما دام شاكا، فأنى له وللإجزاء عن المجعول الواقعي بعد زوال الشك؟! (3).
وفيه أولا: أن للحكومة معنى واحدا، وتقسيمها إلى الواقعية والظاهرية غير وجيه، واختلافهما إنما هو في المتعلق، وهو لا يوجب اختلافا في معنى الحكومة.
ولو صح تقسيم الشيء بلحاظ متعلقه يلزم أن لا يقف تقسيم الحكومة بالواقعية والظاهرية، بل لابد وأن تنقسم بلحاظ متعلقات الأحكام، وهو كما ترى.