وثانيا: أن دعوى استحالة الحكومة في الأمارات والأصول كما ترى؛ لأن غاية ما يلزم من ذلك في الشبهات الموضوعية هي خلف الفرض؛ لأن ذات البول - مثلا - نجسة؛ معلومة كانت أم مشكوكة، وقاعدة الطهارة اقتضت على أن البول نجس، فلم يلزم من الحكومة المذكورة في الشبهات الموضوعية محذور عقلي. نعم يكون خلاف الفرض، حيث إن النجاسة - مثلا - كانت متعلقة بذات البول، لا الشيء بوصف كونه معلوما.
نعم، يلزم في الشبهات الحكمية محذور عقلي على بعض الوجوه؛ من استلزام اعتبار العلم في المتعلق الدور، ومحذور شرعي على بعض آخر؛ من قيام الإجماع على اشتراك الكل في التكليف، فتدبر جيدا.
وثالثا: لو سلم استحالة الحكومة فإنما هي إذا كان الأصل حاكما على أدلة نجاسة الأشياء وطهارتها؛ لكون الشك متأخرا عنهما. ولكنه خارج عن محط البحث؛ لأن محط البحث - كما عرفت - هو تحكيم أدلة الأصول على أدلة الاجزاء والشرائط، فأصالة الطهارة - مثلا - حاكمة على شرطية الطهارة من الخبث في الصلاة المستفادة من قوله: " صل في الطاهر " مثلا. وليس أحدهما في طول الآخر، بل هما في عرض واحد ورتبة واحدة. ومعنى تحكيم قاعدة الطهارة - مثلا - على شرطية الطهارة في الصلاة هو أنه عند الشك في طهارة الثوب لو صلى فيه يكون آتيا بالوظيفة؛ لعدم اعتبار الطهارة الواقعية فيها وكفاية الطهارة الظاهرية فيها.
وبالجملة: لا يريد القائل بالإجزاء تحكيم أدلة الأصول بالنسبة إلى اعتبار أحكام النجاسات، بل يرى أن البول - مثلا - نجس؛ علم به أو لم يعلم، بل ولو علم بالخلاف. وإنما يريد تحكيمها بالنسبة إلى أدلة الأجزاء والشرائط، وتوسعتها بأن الطهارة المعتبرة في الصلاة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، ولا يلزم من ذلك أي محذور أصلا.