الوجه الثاني:
إن بين الأصل والأمارة وإن كان فرقا من جهة إلا أن بينهما تساوي من جهة أخرى؛ وذلك لأن في الأمارة وإن كانت جهة الكشف وإراءة الواقع بخلاف الأصل - بداهة أن في الظن إراءة الواقع دون الشك - إلا أن الحكم الظاهري مجعول على مؤداهما، ولا فرق بين أدلة حجية الأمارة والأصل.
وبعبارة أخرى: لسان أدلة الأصول والأمارات واحد؛ وهو وجوب العمل على الأمارة أو الأصل، فكما أن في مشكوك الطهارة - مثلا - يترتب آثار الطهارة على المشكوك فيه فكذلك يجب العمل على مؤدى الأمارة، و " صدق العادل " ينحل إلى تصديقات عديدة بعدد إخبارات العدول.
وواضح: أن معنى تصديق العادل ليس إلا ترتيب آثار الواقع على مؤدى الأمارة، فإذا قامت الأمارة على عدم وجوب السورة في الصلاة - مثلا - فللمكلف أن يبقى على عدم وجوب السورة فيها ويصلي بلا سورة، وإن كانت السورة واجبة وجزء للصلاة في الواقع، كما أن مقتضى أدلة الحل أو الطهارة ترتيب آثار الحلية والطهارة على مشكوك الحلية والطهارة، وإن كان في الواقع حراما أو نجسا.
وبالجملة: الفرق بين الأمارة والأصل وإن كان في ماهيتهما وحقيقتهما، ولكن لا يضر ذلك بحيثية جعلهما واعتبارهما، فإن لسان حجيتهما واحد؛ وهو جعل الوظيفة الظاهرية وترتيب آثار الواقع على طبقهما ومؤداهما. والعمل بكل منهما مفرغ للذمة، فكما يقال بالإجزاء في باب الأصول، وإن من صلى في ثوب مستصحب الطهارة وإن كان الثوب في الواقع نجسا لا يجب إعادة صلاته وقضاها - بالتقريب الذي سيذكر في الموضع الثالث - فليقل بالإجزاء في باب الأمارات.
وفيه أولا: ليت تذكر أدلة حجية الامارة حتى نلاحظ فيها، فهل يوجد في