فظهر: أن تصور الأمارية في حجية الطرق والأمارات على أنحاء ثلاثة، والذي يقتضيه التحقيق عدم الإجزاء في شئ منها - ولو على القول بأن للشارع الأقدس أمارة تأسيسية - وذلك:
أما على الوجهين الأوليين فواضح؛ وذلك لأن الشارع حسب الفرض لم يتصرف في الأمارة شيئا، وإنما قرر العقلاء على ما هم عليه؛ إما بعدم الردع، أو بإمضائه وتقريرهم على ما هم عليه. فلابد من ملاحظة محيط العرف والعقلاء في العمل بالطرق والأمارات، ولا شك أن عمل العقلاء لكشفها وأماريتها نوعا عن الواقع، من دون تصرف فيه، بل بقاؤه على ما هو عليه، كما هو الشأن في العلم والقطع، فكما أنهم إذا قطعوا بأمر لا يوجب ذلك تصرفا في الواقع، ولا تمس بكراهته شيئا، فكذلك إذا قامت أمارة عليه، كخبر الثقة.
وبالجملة: لا فرق عند العقلاء بين القطع والأمارة الظنية - من خبر الثقة واليد والظاهر ونحوها - من جهة أن لها واقع محفوظ، وتلك الأمور طرق إليه قد تطابقه وقد لا تطابقه، من دون أن تمس كراهة الواقع، ولا يكاد يتصرف فيه.
وواضح: أن العقلاء لا يكتفون في موارد قيام الطرق والأمارات بما أتوا طبقا لمؤدى الأمارة لو تخلفت عن الواقع؛ بأن كان الواقع على خلاف مؤدى الأمارة معتذرا بقيام مؤدى الأمارة مقام الواقع، بل يلتزمون بإتيان الواقع بعد كشف الخلاف.
ولعمر الحق إنه واضح لمن سبر وتفحص حالهم.
وحيث إن الشارع حسب الفرض سكت أو أمضاهم على ما هم عليه فلا معنى لحديث التضييق والتحكيم والتقييد، كما لا وجه لجبران مصلحة الواقع أو كونه وافيا لمصلحة الواقع، إلى غير ذلك من المطالب التي تمور بين الألسن.
والسر في ذلك: هو أن الشارع الأقدس حسب الفرض يكون كأحد من العقلاء في ذلك.