فلو ثبت أحد هذه الأمور يمكن القول بإجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به بالأمر الواقعي.
ولكن الذي يقتضيه دقيق النظر عدم استفادة شئ من ذلك من إطلاق دليل البدل وذلك: أما عدم دلالة البدل على استيفائه تمام مصلحة المبدل فظاهر أن تشريع البدل إنما هو في صورة التعذر عن درك مصلحة المبدل، وإلا فلو كان واجدا لتمام مصلحة المبدل فلابد وأن يجب في عرض وجوب مبدله.
وإن كان في خواطرك ريب فيما ذكرنا فاعرضه على العرف والعقلاء تراهم أصدق شاهد على ما ذكرنا. مثلا لو قال المولى لعبده: " أضف العالم، فإن لم تقدر على الضيافة فسلم عليه " لا يفهم العقلاء من ذلك أن مصلحة السلام وافية بتمام مصلحة الضيافة، بل يفهمون أنه في صورة تعذر الوصول إلى المصلحة العالية ينبغي أن لا تترك المصلحة الدانية.
وبالجملة: لو أخذ عنوان الاضطراري في موضوع فمعناه هو أنه في صورة ذهاب المصلحة المهمة لا يجوز للشخص أن يكون في حالة يذهب عند تمام المصلحة، بل يأتي بمقدار منها؛ ولذا يقال له: " بدل الاضطرارية ". فالمطلوب الواقعي والحقيقي هو الأول؛ ولذا لا يرضى الشرع والعرف أن يخرج الشخص نفسه عن موضوعه عمدا، بل يلومونه ويوبخونه جدا؛ ولذا لو أمكن المكلف في حال الاضطرار إتيان المأمور به بالأمر الواقعي ويجب عليه.
وإياك أن تختلط عنوان الاضطرار بعنوان المسافر؛ لوضوح الفرق بينهما فإن عنوان المسافر والحاضر عنوانان عرضيان، وللمكلف من أول الوقت المضروب للصلاة إلى آخره أن يجعل نفسه مصداقا لكل من عنواني الحاضر والمسافر؛ فمن كان حاضرا يتم صلاته، ومن كان مسافرا يقصر، وقد ورد اللعن على من تم صلاته