ولا ينقدح في الذهن منهما غير ما ينقدح من قولك: " اعمل بقطعك "، فكما لا يستفاد من ذلك تصرف في الواقع وتبديل مؤدى القطع منزلة الواقع، فكذلك لا يستفاد منهما. وواضح أن ما هذا شأنه يقتضي عدم الإجزاء عند كشف الخلاف.
فحاصل الكلام: أنه لا فرق في الأمارة الإمضائية أو التأسيسية في أن مقتضاها عدم الإجزاء عند كشف الخلاف، فكما أن العرف والعقلاء لا يرون أن الأمارة يتصرف في الواقع وتوجب انقلاب الواقع على طبقها - ألا ترى أن من كتب لصديق مقالا له ظهور في معنى يعمل الصديق بظاهر كلامه بلا اتكال، ولكن لا يرى أن ظاهره يوجب تصرفا في الواقع وينقلب الواقع على طبقه - فكذلك الكلام فيما أسسه الشارع وأوجب العمل على طبقه إنما هو لأجل كاشفيته عن الواقع؛ لوضوح أن الشارع اعتبر أمارة بحيثية معلومة عندهم، ولا ينقدح في ذهن أحد من ذلك أن الشارع يريد التصرف في الواقع، بل غاية ما يستفاد من ذلك هي ازدياد أمارة على الأمارات الدارجة بينهم بعدما لم تكن موجودة عندهم.
فظهر: أن معنى تأسيس الشارع أمارة هو ازدياد مصداق على المصاديق الدارجة عندهم.
فإذن: الأمارات - تأسيسية كانت أو إمضائية - تكون نظير القطع من جهة أنها منجز للواقع عند المصادفة ومعذر عند المخالفة، فإذا انكشف الخلاف انتهى أمد العذر، فيجب إتيان الواقع بالإعادة في الوقت لو انكشف الخلاف في الوقت، والقضاء خارج الوقت لو انكشف الخلاف بعد انقضاء الوقت.
هذا كله على مذهب المختار في اعتبار الأمارات. ولعله إذا أحطت خبرا بما ذكرنا تقدر على دفع ما ربما يقال في المقام للإجزاء، ولا يلزم تجشم ذكره ودفعه.
ولكن استيفاء البحث في ذلك يقتضي الإشارة إلى غاية ما قيل أو يمكن أن يقال للإجزاء في العمل بالطرق والأمارات.