أن يكون نزاع الطائفتين في أمر بديهي، وفي دلالة الأمر - دلالة التزامية - على وجود المصلحة في متعلقه وعدمه؟! بل نزاعهم في ذلك إنما هو في مسألة عقلية كلامية حسب ما قرر في محله (1)، فراجع.
فعلى هذا: لابد وأن يكون النزاع في اشتمال المأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري على مصلحة متعلق الحكم الواقعي في أمرين: أحدهما أصل اشتمال متعلقهما على المصلحة، وهو الذي كانت معركة الآراء بين الأشاعرة والمعتزلة، والآخر في وفائهما بالمصلحة الواقعية.
فمرجع البحث في إجزاء الأحكام الاضطرارية والظاهرية وعدمه إلى البحث في مسألتين عقليتين، فلا يكون النزاع لغويا لفظيا كما توهم، فتدبر.
ومنها: أنه لو سلم أن تحكيم الأدلة الظاهرية بالنسبة إلى الأدلة الواقعية الاختيارية بلحاظ اشتمالها على المصلحة، وأنه لمصلحة الواقع يكون من دلالة اللفظ، لكن لا يوجب ذلك كون البحث في مسألة الإجزاء بتمامه لفظيا، بل بعضه لفظيا وبعضه الآخر عقلي - وهو الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري من حيث وفائه بالمصلحة الواقعية - فإذن لم يكن البحث في مسألة الإجزاء لفظيا محضا كما زعم، ولا عقليا صرفا، فتدبر.
ومنها: أن البحث في حكومة الأدلة الاضطرارية بالنسبة إلى الأدلة الواقعية، وتقيدها إياها لم تكن من دلالة اللفظ، بل هو حكم عرفي عقلائي مقتضى الجمع العرفي بينهما.
وذلك لأن من قال: " أعتق رقبة " ثم قال: " أعتق رقبة مؤمنة " فكل من المطلق والمقيد لا يدل على مفاده دلالة لفظية. وأما الدلالة على التقييد فلم يكن من دلالة اللفظ على المعنى، بل هو مقتضى الجمع العرفي بينهما.