ولكن لا مجال لذلك هنا؛ لأن مركز الشك هناك في نفس التكليف، وأنه هل تعلق بتسعة أجزاء أو عشرة مثلا؟ فيقال: إن مقتضى حكم العقل الأخذ بالأقل والبراءة عن الأكثر.
وأما فيما نحن فيه فمتعلق التكليف معلوم مبين؛ وهو ما عدا قصد القربة أو قصد الأمر - مثلا - لأن المفروض امتناع أخذه في متعلق التكليف، إلا أن الشك في ناحية الامتثال حيث يحتمل بقاء العهدة عند عدم الإتيان بذلك القيد وعدم الخروج منها.
وبالجملة: بين المسألتين فرق، يمكن أن يقال بالبراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين؛ لأن الشك فيها في متعلق التكليف؛ وأنه الأقل أو الأكثر، فالأقل متيقن والأكثر مشكوك فيه.
وأما هنا فمتعلق التكليف معلوم بين، ولا شك من هذه الجهة، بل الشك إنما في مقام الامتثال، وأنه هل يسقط التكليف بدون إتيان الفعل بدون قصد الأمر - مثلا - أو لا؟ فالعقل يقضي بالاشتغال إلى أن يقطع بالفراغ، وهو بإتيانه بقصد الأمر (1).
وفيه: أن الفرق الذي ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) غير فارق من حيث جريان البراءة في مسألة الأقل والأكثر، دون المقام؛ لأن ما هو العمدة في جريان البراءة والاشتغال هو رجوع الشك إلى ثبوت التكليف أو سقوطه بعد إحراز أصل الثبوت، وأما غير ذلك فلا دخالة له في ذلك.
وهذا التقريب بعينه أحد التقاريب اللآتي تذكر في مسألة الأقل والأكثر للاشتغال.
مع فرق لا يكون فارقا؛ لأنه كما أن متعلق التكليف هنا معلوم مبين، وهو غير المقيد بقيد، ويحتمل اعتباره في ناحية الامتثال، فكذلك هناك يكون الأقل معلوما من باب القدر المتيقن، لكنه يشك في اعتبار الزائد عليه.