نعم، بعد تعلق الأمر والتكليف بطبيعة - سواء في التعبديات أو التوصليات - فينتزع أمور، ككون الطبيعة مأمورا بها ومدعوا إليها، وكون المولى آمرا، وكون المكلف مأمورا، إلى غير ذلك من الأمور المتأخرة المنتزعة عن تعلق التكليف والبعث.
ولا يكاد يعقل توجه التكليف إلى هذه الأمور المتأخرة التي لا تكاد تنتزع إلا بعد تعلق التكليف.
فظهر - بحمد الله - أن الإشكال نشأ من خلط القيود الجائية من قبل الأمر والتكليف بالقيود المأخوذة قبل تعلق التكليف، والكلام نما هو في الثاني دون الأول، فتدبر واغتنم.
وأما مقال شيخنا العلامة الحائري (قدس سره): فهو أنه (قدس سره) بعدما كان قائلا بأصالة التوصلية عند الشك (1) - وفاقا لما عليه القوم - عدل عنها في أخريات عمره الشريف؛ فقال بأصالة التعبدية، ومهد لذلك مقدمات لم يكن بعضها صحيحة عنده من ذي قبل، ولكن ساعده الاعتبار أخيرا:
الأولى: أن مختاره سابقا كان أن متعلق الأوامر صرف الوجود من الطبيعة أو الوجود السعي غير القابل للتكرار.
فعدل عنه واختار أخيرا: أن متعلق الأوامر نفس الطبيعة؛ أي الماهية الكلية اللا بشرط العارية عن كل قيد القابلة للتكرار.
ولا يخفى: أن ما عدل إليه حق لا سترة عليه، كما عليه أبناء التحقيق.
الثانية - وينبغي عليها أساس التعبدية - أن العلل التشريعية يحذو حذو العلل التكوينية، وتطابقها مطابقة النعل بالنعل، والقذة بالقذة.
فكما أن المعلول لعلة تكوينية تدور مدار علته وجودا وعدما وحدة وكثرة،