ولكنه - كما أشرنا - خلاف التبادر والمتفاهم العرفي؛ ضرورة أن المتفاهم من هيئة الأمر ليس إلا البعث والإغراء، كإشارة المشير لإغراء غيره، وكإغراء الجوارح من الطيور وغيرها. فكأن لفظة هيئة الأمر قائمة مقام الإشارة، وذلك الإغراء، فتدبر.
إذا أحطت خبرا بما ذكرنا: تعرف النظر فيما ذهب إليه المحقق الخراساني (قدس سره)؛ من تبادر الوجوب من استعمال صيغة الأمر مع قوله بوضعها للوجوب (1)؛ لما أشرنا من عدم إمكان ادعائه ثبوتا، فكيف يدعي التبادر في مقام الإثبات؟! فتدبر.
هذا كله بالنسبة إلى وضع صيغة الأمر للوجوب.
وأما القول بكون صيغة الأمر موضوعة لمطلق الطلب أو البعث، لكنه ينصرف إلى الطلب والبعث الوجوبي، ولعل هذا أحد محتملات كلام صاحب " الفصول " (قدس سره) (2).
ففيه أولا: أن دعوى الانصراف بمعناه المعروف إنما يمكن لو كان الموضوع له صيغة الطلب الكلي، وأما لو كان الموضوع له الطلب بالحمل الشائع فلا يمكن دعواه، ولعله أوضح من أن يخفى، فتدبر.
وثانيا: أنه لو سلم إمكان دعوى الانصراف فلابد وأن يكون في مورد يكثر استعماله فيه؛ بحيث يوجب أنس الذهن به؛ بحيث يوجب انقلاب الذهن وتوجهه إليه متى انقدح في ذهنه ذلك اللفظ، ويكون المعنى مغفولا عنه ومهجورا.
وواضح: أن هذا المعنى مفقود فيما نحن فيه؛ لكثرة استعمال صيغة الأمر في الطلب الندبي أيضا، كاستعمالها في الطلب الوجوبي؛ فلا وجه لدعوى الانصراف إلى الطلب الوجوبي.