الإرادة بمنزلة العلة للبعث؛ فلا يعقل أن يتقيد البعث المتأخر ذاتا بما يكون متقدما عليه برتبة أو رتبتين.
وبالجملة: لا يعقل تقييد المعلول بعلته، فضلا عن علة علته، أو كعلته في التقدم؛ للزوم كون المتأخر متقدما أو بالعكس.
مضافا إلى أنه - كما أشرنا آنفا - لا معنى لتقييد الموجود الخارجي بما هو موجود بالمفهوم، وما يقبل التقييد هو المفهوم. نعم يمكن أن يوجد الشيء مقيدا، وهو غير ما نحن بصدده، هذا.
ولكنه يمكن أن يتصور بنحو لا يكون فيه إشكال ثبوتي، ولكنه خلاف التبادر؛ وذلك لأن الإنسان قد يريد شيئا بإرادة قوية؛ بحيث يصح انتزاع الوجوب منه، وقد يريده بإرادة ضعيفة يصح انتزاع الاستحباب منه.
فالأوامر في متن الواقع على قسمين: إما من إرادة قوية وجوبية، أو من إرادة ضعيفة استحبابية.
فللواضع تصور قسم منه؛ وهو الصادر من إرادة وجوبية: إما بالنحو الكلي فيضع الهيئة لكل ما يكون مثلا له حتى يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا.
كما له تصور قسم آخر منه؛ وهو خصوص الصادر من إرادة وجوبية ويعطف غيره عليه، حتى يكون الوضع والموضوع خاصين.
وبالجملة: الإرادة حيث تكون بحسب التكوين والتشريع على قسمين فللأمر الصادر من الإرادة القوية - التي لا يرضى بتركها - تحصل، غير ما يكون متحصلا عما يصدر عن إرادة غير قوية.
فيمكن وضع هيئة الأمر لخصوص قسم منه؛ إما بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص، أو بنحو الوضع والموضوع له الخاصين، فلا يكون في المسألة محذور ثبوتي.