وثالثا: أن قوله (قدس سره): إن الإرادة الوجوبية حيث لا حد لها لا يحتاج إلى البيان، بخلاف الإرادة الندبية فإنها محتاجة إلى البيان؛ فلو أطلق يحمل على الإرادة الوجوبية.
غير سديد؛ لأنه إما يرى أن بين المقسم والقسم فرقا في عالم القسمة، أم لا.
وبعبارة أخرى: هل يرى بين أصل الإرادة والإرادة الوجوبية في لحاظ التقسيم - وإن كانت متحدة في الخارج - فرق أم لا؟
من الواضح: أنه لا سبيل له إلى القول بعدم الفرق، وإلا لا معنى للتقسيم؛ لاتحاد القسم مع مقسمه، فإن كان بينهما - كما هو كذلك - فعلى رغمه لو تمت مقدمات الحكمة فمقتضاها وجود الإرادة بنفسها، وأما كونها وجوبية أو ندبية فلا.
وإن كان بعدما ذكرنا في نفسك ريب فلاحظ الوجود الذي أنيط به الأشياء، فترى أنه في مقام التقسيم يقسم الوجود إلى الواجب والممكن، وإن كان في الخارج متحدا مع أحدهما.
ولابد وأن يكون بين نفس الوجود، والوجود الواجب والوجود الممكن فرق، كما يكون بين الأخيرين فرق. وإلا لو لم يكن بينهما فرق في مقام التقسيم يلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره، وهو فاسد.
فالوجود الجامع غير وجود الواجب ووجود الممكن، ولا ينطبق الجامع بما هو جامع إلا على أحدهما، لا خصوص الواجب منهما.
فإذن نقول: نفس الإرادة لا وجوبية ولا ندبية؛ ولذا تكون وجوبية تارة وندبية أخرى، فنفس الجامع لا يحتاج إلى البيان. وأما الإرادة الوجوبية أو الندبية فمحتاجة إلى البيان، ومقدمات الحكمة لو جرت فمقتضاها إثبات الجامع بين الإرادتين، لا خصوص الإرادة الوجوبية.