التقريب الأول في جريان مقدمات الحكمة في استفادة الوجوب من مادة الأمر فحاصله: أن مادة الأمر وإن كانت موضوعة للجامع ومطلق الطلب - بشهادة التبادر وغيره - إلا أن جريان مقدمات الحكمة في الطلب الإلزامي أخف من جريانها في الطلب غير الإلزامي.
فلو كان المتكلم في مقام البيان فإذا ألقت مادة الأمر بدون القيد فينقدح في الذهن ما يكون أخف مؤونة؛ وهو الطلب الإلزامي.
أما كون الإرادة الإلزامي أخف؛ فلأن امتيازها عن الإرادة الندبية بالشدة؛ فيكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك، بخلاف الإرادة الندبية فإنما تفترق عن الوجوبية بالضعف، فكأنه طلب وإرادة ناقصة؛ فما به الامتياز غير ما به الاشتراك.
فإرادة الضعيفة محتاجة إلى بيان زائد، ففي صورة إطلاق الأمر يحمل على الإرادة القوية.
وأما جريان مقدمات الحكمة في صيغة الأمر: فقد يشكل جريانها من جهة أن مفهوم الصيغة هو البعث الملحوظ نسبة بين الذات - أعني به المبعوث - وبين المبعوث إليه - أعني به المادة - والبعث المزبور لا يقبل الشدة والضعف؛ لكونه في الأمر الوجوبي مثله في الأمر الندبي، فلا إطلاق ولا تقييد؛ فلا تجري مقدمات الحكمة من هذه الجهة.
وكذا في الإرادة؛ لكونها أمرا شخصيا جزئيا لا يتصور فيه الإطلاق والتقييد ليتوسل بمقدمات الحكمة إلى بيان ما أريد منهما فيها.
وتوهم: أن الأمر بلحاظ المفهوم وإن لم يكن موضوعا للإطلاق والتقييد لكنه بلحاظ الأحوال يكون موضوعا لها، ويمكن أن تكون الشدة والضعف المتواردين على الإرادة الخارجية من أحوالها وطواريها؛ فتكون باعتبارهما مجرى مقدمات الحكمة.