لا وجه للقول: بوضع هيئة الأمر للبعث الوجوبي - بأي معنى فرض - وذلك لأنه:
إما يراد: أنها موضوعة له بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص؛ فنقول: إن الوضع كذلك وإن كان ممكنا، كما سبق منا في وضع الحروف؛ بأنه وإن لا يمكن تصوير جامع حقيقي بين معاني الحروف برمتها؛ لأن الجامع الحرفي لابد وأن يكون ربطا بالحمل الشائع، وإلا يصير جامعا اسميا، والربط الكذائي أمرا شخصيا لا يقبل الجامعية، إلا أنه يمكن تصوير جامع اسمي عرضي.
فعلى هذا: يمكن تصوير جامع عرضي بين أفراد البعوث الناشئة عن الإرادات الجدية، ثم توضع الهيئة بإزاء مصاديقه.
ولكنه خلاف التبادر؛ لأن المتبادر من هيئة الأمر - كما تقدم - هو الإغراء بالحمل الشائع، نظير إشارة الأخرس؛ فكما لا يستعمل إشارة الأخرس في المعنى الكلي، ويكون المتبادر منها الإغراء بالحمل الشائع، فكذلك المتبادر من هيئة الأمر البعث والإغراء بالحمل الشائع.
فعلى هذا: لا معنى لتقييد البعث بالوجوب؛ فإن التقييد إنما يتصور فيما إذا تصور أمرا مطلقا، ففيما يكون الشيء آلة لإيجاد أمر خارجي فلا معنى لتقييده بعد إيجاده. نعم يمكن أن يوجد أمرا مقيدا.
وبالجملة: لو كانت هيئة الأمر بعثا بالحمل الشائع فلا يكون قابلا للتقييد بالإرادة الحتمية أو بالوجوب؛ لعدم تقييد المصداق الخارجي الوجود الكذائي بالمفهوم والعنوان.
وبعبارة أخرى: القابل للتقييد هو العناوين والمفاهيم الكلية لا المصاديق والموجودات الخارجية، فتدبر.
وإما يراد: بأن الموضوع البعث المتقيد بالإرادة الواقعية الحتمية.
ففيه أيضا إشكال؛ لأن الإرادة من مبادئ البعث، والبعث متأخر عنها، بل