ويمكن ان يقال ان للقرب مراتب باختلاف الجهات الداعية للمكلف، أدناها اتيان الفعل بداعي الفرار من العقاب، مثل أن يكون حال العبد بحيث لو علم بعدم العقاب لم يأت بالفعل أصلا، فاتيانه به خوفا من المولى مقرب له عند العقل، كما أنا نرى الفرق عند العقلاء بين هذا العبد وبين العبد الذي لم يكن خوف مؤاخذة المولى مؤثرا فيه، وهذا المقدار من القرب - أعني كون العبد بحيث يكون له جهة امتياز بالنسبة إلى غيره في الجملة - يكفي في العبادة. ونظير هذا المعنى موجود في المقام، إذ لو فرضنا عبدين أحدهما لم يأت بالمأمور به بنفسه ولا أحد بدله، والثاني لم يأت به، ولكن اتى به نائبه، نرى بالوجدان أن حالهما ليس على حد سواء عند المولى [99]، بل للثاني عنده جهة خصوصية ليست للأول، وان لم يصل إلى مرتبة من اتى بالمأمور به بنفسه.
فنقول: هذه المرتبة الحاصلة له بفعل الغير تكفى في العبادة،
____________________
[98] لا يخفى ان الرضا والامتنان بشئ لا يتوقف على العلم بالفائدة مع قطع النظر عنهما، بل يكفي العلم بتحققها ولو بهما في تحققهما، وذلك مثل قصد القربة بالفعل، فإنه لو توقف على العلم بحصول القرب مع قطع النظر عن القصد يلزم الدور، نعم يرد عليه ان العبادة ما يوجب نفسه القرب ولا يكفي القرب الحاصل من الرضا في العبادية، فان القرب الحاصل بالرضا لو قلنا بتأثير الرضا في النشأة الآخرة غير الحاصل من العمل، والمفروض ان العمل غير مقرب حتى بعد الرضا، ولذا وقع في كلفة الجواب.
[99] لا يخفى ما في هذا الجواب من المصادرة، لان الامتياز عند الولي عين محل النزاع، ومجرد الامتياز الخارجي لا يكفي، والا لصحت عبادة من يأتي بها بلا قصد، لامتيازه في الخارج عمن لا يأتي بها أصلا.
[99] لا يخفى ما في هذا الجواب من المصادرة، لان الامتياز عند الولي عين محل النزاع، ومجرد الامتياز الخارجي لا يكفي، والا لصحت عبادة من يأتي بها بلا قصد، لامتيازه في الخارج عمن لا يأتي بها أصلا.