إلا على سبيل التداخل وهو محال. أما الوجهان الأخيران فكل واحد منهما محتمل، فإن كان على الوجه الأول فقد أزال الله تعالى اليبوسة عن أجزاء الهواء وخلق الرطوبة فيها وإن كان على الوجه الثاني فقد خلق تلك الأجزاء وخلق الرطوبة فيها. واعلم أن الكلام في هذا الباب كالكلام فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات وقد ضاق بهم الماء فوضع يده في متوضئه ففار الماء من بين أصابعه حتى استكفوا.
السؤال الخامس: معجزة موسى في هذا المعنى أعظم أم معجزة محمد عليه السلام؟ الجواب: كل واحدة منهما معجزة باهرة قاهرة، لكن التي لمحمد صلى الله عليه وسلم أقوى لأن نبوع الماء من الحجر معهود في الجملة، أما نبوعه من بين الأصابع فغير معتاد البتة فكان ذلك أقوى.
السؤال السادس: ما الحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عينا؟ والجواب: أنه كان في قوم موسى كثرة والكثير من الناس إذا اشتدت بهم الحاجة إلى الماء ثم وجدوه فإنه يقع بينهم تشاجر وتنازع وربما أفضى ذلك إلى الفتن العظيمة فأكمل الله تعالى هذه النعمة بأن عين لكل سبط منهم ماء معينا لا يختلط بغيره والعادة في الرهط الواحد أن لا يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع بين المختلفين.
السؤال السابع: من كم وجه يدل هذا الانفجار على الإعجاز؟ والجواب: من وجوه: أحدها: أن نفس ظهور الماء معجز، وثانيها: خروج الماء العظيم من الحجر الصغير، وثالثها: خروج الماء بقدر حاجتهم، ورابعها: خروج الماء عند ضرب الحجر بالعصا، وخامسها: انقطاع الماء عند الاستغناء عنه، فهذه الوجوه الخمسة لا يمكن تحصيلها إلا بقدرة تامة نافذة في كل الممكنات وعلم نافذ في جميع المعلومات وحكمة عالية على الدهر والزمان، وما ذاك إلا للحق سبحانه وتعالى.
أما قوله تعالى: * (قد علم كل أناس مشربهم) * فنقول: إنما علموا ذلك لأنه أمر كل إنسان أن لا يشرب إلا من جدول معين كيلا يختلفوا عند الحاجة إلى الماء، وأما إضافة المشرب إليهم فلأنه تعالى لما أباح لكل سبط من الأسباط ذلك الماء الذي ظهر من ذلك الشق الذي يليه صار ذلك كالملك لهم وجازت إضافته إليهم.
أما قوله تعالى: * (كلوا واشربوا من رزق الله) * ففيه حذف، والمعنى: فقلنا لهم أو قال لهم موسى: كلوا واشربوا، وإنما قال: كلوا لوجهين، أحدهما: لما تقدم من ذكر المن والسلوى، فكأنه قال: كلوا من المن والسلوى الذي رزقكم الله بلا تعب ولا نصب واشربوا من هذا الماء. والثاني: أن الأغذية لا تكون إلا بالماء، فلما أعطاهم الماء فكأنه تعالى أعطاهم المأكول والمشروب. واحتجت المعتزلة بهذه الآية على أن الرزق هو الحلال، قالوا: لأن أقل درجات قوله: * (كلوا واشربوا) * الإباحة، وهذا يقتضي كون الرزق مباحا، فلو وجد رزق حرام لكان ذلك الرزق مباحا وحراما وإنه