ابن عباس قالوا: وهذا أوفق لذكر البصل واختلفوا في الفوم فعن ابن عباس أنه الحنطة، وعنه أيضا أن الفوم هو الخبز وهو أيضا المروي عن مجاهد وعطاء وابن زيد وحكي عن بعض العرب: فوموا لنا أي اخبزوا لنا وقيل هو الثوم وهو مروي أيضا عن ابن عباس ومجاهد واختيار الكسائي واحتجوا عليه بوجوه. الأول: أنه في حرف عبد الله بن مسعود وثومها. الثاني: أن المراد لو كان هو الحنطة لما جاز أن يقال: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) * لأن الحنطة أشرف الأطعمة. الثالث: أن الثوم أوفق للعدس والبصل من الحنطة.
المسألة الرابعة: القراءة المعروفة: * (أتستبدلون) * وفي حرف أبي بن كعب: (أتبدلون) بإسكان الباء وعن زهير الفرقبي: (أدنأ) بالهمزة من الدناءة. واختلفوا في المراد بالأدنى وضبط القول فيه أن المراد إما أن يكون أدنى في المصلحة في الدين أو في المنفعة في الدنيا، والأول غير مراد لأن الذي كانوا عليه لو كان أنفع في باب الدين من الذي طلبوه لما جاز أن يجيبهم إليه، لكنه قد أجابهم إليه بقوله: * (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) *، فبقي أن يكون المراد منه المنفعة في الدنيا ثم لا يجوز أن يكون المراد أن هذا النوع الذي أنتم عليه أفضل من الذي تطلبونه لما بينا أن الطعام الذي يكون ألذ الأطعمة عند قوم قد يكون أخسها عند آخرين، بل المراد ما بينا أن المن والسلوى متيقن الحصول وما يطلبونه مشكوك الحصول والمتيقن خير من المشكوك أو لأن هذا يحصل من غير كد ولا تعب، وذلك لا يحصل إلا مع الكد والتعب، فيكون الأول أولى. فإن قيل: كان لهم أن يقولوا هذا الذي يحصل عفوا صفوا لما كرهناه بطباعنا كان تناوله أشق من الذي لا يحصل إلا مع الكد إذا اشتهته طباعنا. قلنا: هب أنه وقع التعارض من هذه الجهة لكنه وقع الترجيح بما أن الحاضر المتيقن راجع على الغائب المشكوك.
المسألة الخامسة: القراءة المعروفة: * (اهبطوا) * بكسر الباء وقرئ بضم الباء، القراءة المشهورة: * (مصرا) * بالتنوين وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه كقوله: * (ونوحا هدينا. ولوطا) * (الأنعام: 84، 86) وفيهما العجمة والتعريف وإن أريد به البلد، فما فيه إلا سبب واحد، وفي مصحف عبد الله وقرأ به الأعمش: * (اهبطوا مصرا) * بغير تنوين كقوله: * (ادخلوا مصرا) * واختلف المفسرون في قوله: * (اهبطوا مصرا) * روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب ترك التنوين، وقال الحسن: الألف في مصرا زيادة من الكاتب فحينئذ تكون معرفة فيجب أن تحمل على ما هو المختص بهذا الاسم وهو البلد الذي كان فيه فرعون وهو مروي عن أبي العالية والربيع، وأما الذين قرؤوا بالتنوين وهي القراءة المشهورة فقد اختلفوا، فمنهم من قال: المراد البلد الذي كان فيه فرعون ودخول التنوين فيه كدخوله في نوح ولوط، وقال آخرون:
المراد الأمر بدخول أي بلد كان كأنه قيل لهم ادخلوا بلدا أي بلد كان لتجدوا فيه هذه الأشياء، وبالجملة فالمفسرون قد اختلفوا في أن المراد من مصر هو البلد الذي كانوا فيه أولا أو بلد آخر، فقال كثير من المفسرين: لا يجوز