وسلم وسماه بذي الشهادتين ولو كانت المعصية جائزة على الأنبياء لما جازت تلك الشهادة. الخامس عشر: قال في حق إبراهيم عليه السلام: * (إني جاعلك للناس إماما) * والإمام من يؤتم به فأوجب على كل الناس أن يأتموا به فلو صدر الذنب عنه لوجب عليهم أن يأتموا به في ذلك الذنب وذلك يفضي إلى التناقض.
السادس عشر: قوله تعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 124) والمراد بهذا العهد إما عهد النبوة أو عهد الإمامة، فإن كان المراد عهد النبوة وجب أن لا تثبت النبوة للظالمين، وإن كان المراد عهد الإمامة وجب أن لا نثبت الإمامة للظالمين وإذا لم تثبت الإمامة للظالمين وجب أن لا تثبت النبوة للظالمين، لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به ويقتدى به. والآية على جميع التقديرات تدل على أن النبي لا يكون مذنبا، أما المخالف فقد تمسك في كل واحد من المواضع الأربعة التي ذكرناه بآيات ونحن نشير إلى معاقدها ونحيل بالاستقصاء على ما سيأتي في هذا التفسير إن شاء الله تعالى: أما الآيات التي تمسكوا بها في باب الاعتقاد فثلاثة، أولها: تمسكوا بالطعن في اعتقاد آدم عليه السلام بقوله: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) * (الأعراف: 189) إلى آخر الآية. قالوا: لا شك أن النفس الواحدة هي آدم وزوجها المخلوق منها هي حواء، فهذه الكنايات بأسرها عائدة إليهما فقوله: * (جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون * ((الأعراف: 190) يقتضي صدور الشرك عنهما، والجواب: لا نسلم أن النفس الواحدة هي آدم وليس في الآية ما يدل عليه بل نقول: الخطاب لقريش وهم آل قصي والمعنى خلقكم من نفس قصي وجعل من جنسها زوجة عربية ليسكن إليها فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد الدار وعبد قصي، والضمير في يشركون لهما ولأعقابهما فهذا الجواب هو المعتمد، وثانيها: قالوا إن إبراهيم عليه السلام لم يكن عالما بالله ولا باليوم الآخر. أما الأول فلأنه قال في الكواكب * (هذا ربي) *، وأما الثاني فقوله: * (أرني كيف تحيي الموتى قال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 260)، والجواب: أما قوله: * (هذا ربي) * فهو استفهام على سبيل الإنكار، وأما قوله: * (ولكن ليطمئن قلبي) *، فالمراد أنه ليس الخبر كالمعاينة، وثالثها: تمسكوا بقوله تعالى: * (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * (يونس: 94)، فدلت الآية على أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان في شك مما أوحى إليه والجواب: أن القلب في دار الدنيا لا ينفك عن الأفكار المستعقبة للشبهات إلا أنه عليه الصلاة والسلام كان يزيلها بالدلائل.
أما الآيات التي تمسكوا بها في باب التبليغ فثلاثة: أحدها: قوله: * (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) * (الأعلى: 6، 8) فهذا الاستثناء يدل على وقوع النسيان في الوحي، الجواب: ليس النهي عن النسيان الذي هو ضد الذكر، لأن ذاك غير داخل في الوسع بل عن النسيان بمعنى الترك فنحمله على ترك الأولى. وثانيها: قوله: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 52)،