لكن مجموع تلك الوجوه يكون دالا على الشيء. والجواب المعتمد عن الوجوه السبعة عندنا أن نقول: كلامكم إنما يتم لو أتيتم بالدلالة على أن ذلك كان حال النبوة، وذلك ممنوع فلم لا يجوز أن يقال: إن آدم عليه السلام حالما صدرت عنه هذه الزلة ما كان نبيا؛ ثم بعد ذلك صار نبيا ونحن قد بينا أنه لا دليل على هذا المقام. وأما الاستقصاء في الجواب عن كل واحد من الوجوه المفصلة فسيأتي إن شاء الله تعالى عند الكلام في تفسير كل واحد من هذه الآيات. ولنذكر ههنا كيفية تلك الزلة ليظهر مراد الله تعالى من قوله: * (فأزلهما الشيطان) * (البقرة: 36) فنقول لنفرض أنه صدر ذلك الفعل عن آدم عليه السلام بعد النبوة فإقدامه على ذلك الفعل إما أن يكون حال كونه ناسيا أو حال كونه ذاكرا، أما الأول: وهو أنه فعله ناسيا فهو قول طائفة من المتكلمين واحتجوا عليه بقوله تعالى: * (ولم نجد له عزما) * (طه: 115) ومثلوه بالصائم يشتغل بأمر يستغرقه ويغلب عليه فيصير ساهيا عن الصوم ويأكل في أثناء ذلك السهو (لا) عن قصد، لا يقال هذا باطل من وجهين. الأول: أن قوله تعالى: * (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) *، وقوله: * (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) * (الأعراف: 20 - 21) يدل على أنه ما نسي النهي حال الإقدام. وروى عن ابن عباس ما يدل على أن آدم عليه السلام تعمد لأنه قال لما أكلا منها فبدت لهما سوآتهما خرج آدم فتعلقت به شجرة من شجر الجنة، فحبسته فناداه الله تعالى أفرارا مني، فقال: بل حياء منك، فقال له: أما كان فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب ولكني وعزتك ما كنت أرى أن أحدا يحلف بك كاذبا، فقال: وعزتي لأهبطنك منها ثم لا تنال العيش إلا كدا. الثاني: وهو أنه لو كان ناسيا لما عوتب على ذلك الفعل، أما من حيث العقل فلأن الناسي غير قادر على الفعل، فلا يكون مكلفا به لقوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 276) وأما من حيث النقل فلقوله عليه الصلاة والسلام " رفع القلم عن ثلاث "، فلما عوتب عليه دل على أن ذلك لم يكن على سبيل النسيان. لأنا نقول: أما الجواب عن الأول فهو أنا لا نسلم أن آدم وحواء قبلا من إبليس ذلك الكلام ولا صدقاه فيه، لأنهما لو صدقاه لكانت معصيتهما في هذا التصديق أعظم من أكل الشجرة، لأن إبليس لما قال لهما: * (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) *. فقد ألقى إليهما سوء الظن بالله ودعاهما إلى ترك التسليم لأمره والرضا بحكمه وإلى أن يعتقدا فيه كون إبليس ناصحا لهما وأن الرب تعالى قد غشهما ولا شك أن هذه الأشياء أعظم من أكل الشجرة، فوجب أن تكون المعاتبة في ذلك أشد وأيضا كان آدم عليه السلام عالما بتمرد إبليس عن السجود وكونه مبغضا له وحاسدا له على ما آتاه الله من النعم، فكيف يجوز من العاقل أن يقبل قول عدوه مع هذه القرائن وليس في الآية أنهما أقدما على ذلك الفعل عند ذلك الكلام أو بعده، ويدل على أن آدم كان عالما بعداوته لقوله تعالى: * (إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * (طه: 117). وأما ما روي عن ابن عباس فهو أثر مروي بالآحاد، فكيف يعارض القرآن؟ وأما الجواب عن الثاني: فهو أن العتاب إنما حصل على ترك
(١٢)