والكلام عليه مذكور في سورة الحج على الاستقصاء، وثالثها: قوله تعالى: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) * (الجن: 26 - 28). قالوا: فلولا الخوف من وقوع التخليط في تبليغ الوحي من جهة الأنبياء لم يكن في الاستظهار بالرصد المرسل معهم فائدة، والجواب: لم لا يجوز أن تكون الفائدة أن يدفع ذلك الرصد الشياطين عن إلقاء الوسوسة. أما الآيات التي تمسكوا بها في الفتيا فثلاثة، أحدها: قوله: * (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) * (الأنبياء: 78)، وقد تكلمنا عليه في سورة الأنبياء. وثانيها: (قوله في أسارى بدر حين فاداهم النبي صلى الله عليه وسلم * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) * (الأنفال: 67)، فلولا أنه أخطأ في هذه الحكومة وإلا لما عوتب، وثالثها: قوله تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 43)، والجواب عن الكل: أنا نحمله على ترك الأولى. أما الآيات التي تمسكوا بها في الأفعال فكثيرة، أولها: قصة آدم عليه السلام، تمسكوا بها من سبعة أوجه، الأول: أنه كان عاصيا والعاصي لا بد وأن يكون صاحب الكبيرة، وإنما قلنا إنه كان عاصيا لقوله تعالى: * (وعصى آدم ربه فغوى) * (طه: 121) وإنما قلنا أن العاصي صاحب الكبيرة لوجهين: الأول: أن النص يقتضي كونه معاقبا لقوله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) * (الجن: 23) فلا معنى لصاحب الكبيرة إلا ذلك، الثاني: أن صاحب الكبيرة، الوجه الثاني في التمسك بقصة آدم أنه كان غاويا لقوله تعالى * (فغوى) * العاصي اسم ذم فوجب أن لا يتناول إلا والغي ضد الرشد، لقوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * (البقرة: 256)، فجعل الغي مقابلا للرشد، الوجه الثالث: أنه تائب والتائب مذنب، وإنما قلنا إنه تائب لقوله تعالى: * (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) * (البقرة: 37) وقال: * (ثم اجتباه ربه فتاب عليه) * (طه: 122) وإنما قلنا: التائب مذنب لأن التائب هو النادم على فعل الذنب، والنادم على فعل الذنب مخبر عن كونه فاعلا الذنب، فإن كذب في ذلك الإخبار فهو مذنب بالكذب، وإن صدق فيه فهو المطلوب. الوجه الرابع: أنه ارتكب المنهي عنه في قوله: * (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) * (الأعراف: 22)، * (ولا تقربا هذه الشجرة) * (الأعراف: 19)، وارتكاب المنهي عنه عين الذنب. الوجه الخامس: سماه ظالما في قوله: * (فتكونا من الظالمين) * (البقرة: 35) وهو سمى نفسه ظالما في قوله: * (ربنا ظلمنا أنفسنا) * (الأعراف: 23) والظالم ملعون لقوله تعالى: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 18) ومن استحق اللعن كان صاحب الكبيرة. الوجه السادس: أنه اعترف بأنه لولا مغفرة الله إياه وإلا لكان خاسرا في قوله: * (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (الأعراف: 23)، وذلك يقتضي كونه صاحب الكبيرة. وسابعها: أنه أخرج من الجنة بسبب وسوسة الشيطان وإزلاله جزاء على ما أقدم عليه من طاعة الشيطان، وذلك يدل على كونه صاحب الكبيرة، ثم قالوا: هب أن كل واحد من هذه الوجوه لا يدل على كونه فاعلا للكبيرة، لكن مجموعها لا شك في كونه قاطعا في الدلالة عليه، ويجوز أن يكون كل واحد من هذه الوجوه وإن لم يدل على الشيء
(١١)