وكذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا واختلالا، والألوان المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها، فهذا مجامع القول في هذا النوع من السحر.
النوع الخامس من السحر: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية تارة وعلى ضروب الخيلاء أخرى، مثل: فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر، وكفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي يصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان، حتى يصورونها ضاحكة وباكية، حتى يفرق فيها ضحك السرور وبين ضحك الخجل، وضحك الشامت، فهذه الوجوه من لطيف أمور المخايل، وكان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب، ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات، ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال وهو أن يجر ثقيلا عظيما بآلة خفيفة سهلة، وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة نفيسة من اطلع عليها قدر عليها، إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسيرا شديدا لا يصل إليه إلا الفرد بعد الفرد، لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر، ومن هذا الباب عمل " أرجعيانوس " الموسيقار في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه وذلك أنه اتفق له أنه كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل، والبراصل هو طائر عطوف وكان يضمر صغيرا حزينا بخلاف سائر البراصل وكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها عند حاجته ويفضل بعضها عن حاجته فوقف هذا الموسيقار هناك وتأمل حال ذلك الفرخ وعلم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع والاستعطاف حتى رقت له الطيور وجاءته بما يأكله فتلطف بعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير ولم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها وجاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجيء إلى ذلك الفرخ لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها، فلما صح له ما أراد أظهر النسك وعمد إلى هيكل أورشليم وسأل عن الليلة التي دفن فيها " أسطرخس " الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب فاتخذ صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة ونصبها فوق ذلك الهيكل، وجعل فوق تلك الصورة قبة وأمرهم بفتحها في أول آب وكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة وكانت البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ تلك القبة كل يوم من ذلك الزيتون والناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون ويدخل في الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا الموضع.
النوع السادس من السحر: الاستعانة بخواص الأدوية مثل أن يجعل في طعامه بعض الأدوية البلدة المزيلة للعقل والدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناوله الإنسان تبلد عقله وقلت فطنته. واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا الصدق بالكذب والباطل بالحق.