الذي لا يتم إلا بإخراج الأموال والكنوز، وفي علمنا بانصراف النفوس والهمم عن ذلك دلالة على فساد هذا القول، قال القاضي: فثبت بهذه الجملة أن الساحر لا يصح أن يكون فاعلا لشيء من ذلك. واعلم أن هذه الدلائل ضعيفة جدا. أما الوجه الأول: فنقول: ما الدليل على أن كل ما سوى الله، إما أن يكون متحيزا، وإما قائما بالمتحيز، أما علمتم أن الفلاسفة مصرون على إثبات العقول والنفوس الفلكية والنفوس الناطقة، وزعموا أنها في أنفسها ليست بمتحيزة ولا قائمة بالمتحيز، فما الدليل على فساد القول بهذا؟ فإن قالوا: لو وجد موجود هكذا لزم أن يكون مثلا لله تعالى، قلنا: لا نسلم ذلك لأن الاشتراك في الأسلوب لا يقتضي الاشتراك في الماهية، سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون بعض الأجسام يقدر على ذلك لذاته؟ قوله: الأجسام متماثلة. فلو كان جسم كذلك لكان كل جسم كذلك، قلنا: ما الدليل على تماثل الأجسام، فإن قالوا: إنه لا معنى للجسم إلا الممتد في الجهات، الشاغل للأحياز ولا تفاوت بينها في هذا المعنى، قلنا: الامتداد في الجهات والشغل للأحياز صفة من صفاتها ولازم من لوازمها، ولا يبعد أن تكون الأشياء المختلفة في الماهية مشتركة في بعض اللوازم، سلمنا أنه يجب أن يكون قادرا بالقدرة، فلم قلتم إن القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجسم والحياة؟ قوله: لأن القدرة التي لنا مشتركة في هذا الامتناع وهذا الامتناع حكم مشترك، فلا بد له من علة مشتركة ولا مشترك سوى كوننا قادرين بالقدرة، قلنا: هذه المقدمات بأسرها ممنوعة فلا نسلم أن الامتناع حكم معلل وذلك لأن الامتناع عدمي والعدم لا يعلل، سلمنا أنه أمر وجودي، ولكن من مذهبهم أن كثيرا من الأحكام لا يعلل، فلم لا يجوز أن يكون الأمر ههنا كذلك، سلمنا أنه معلل، فلم قلتم: إن الحكم المشترك لا بد له من علة مشتركة، أليس أن القبح حصل في الظلم معللا بكونه ظلما وفي الكذب بكونه كذبا، وفي الجهل بكونه جهلا؟ سلمنا أنه لا بد من علة مشتركة، لكن لا نسلم أنه لا مشترك إلا كوننا قادرين بالقدرة، فلم لا يجوز أن تكون هذه القدرة التي لنا مشتركة في وصف معين وتلك القدرة التي تصلح لخلق الجسم تكون خارجة عن ذلك الوصف، فما الدليل على أن الأمر ليس كذلك؟ وأما الوجه الأول: وهو أنه ليست مخالفة تلك القدرة لبعض القدر أشد من مخالفة بعض هذه القدر للبعض، فنقول: هذا ضعيف، لأنا لا نعلل صلاحيتها لخلق الجسم بكونها مخالفة لهذه القدر، بل لخصوصيتها المعينة التي لأجلها خالفت سائر القدر وتلك الخصوصية معلوم أنها غير حاصلة في سائر القدر. ونظير ما ذكروه أن يقال: ليست مخالفة الصوت للبياض بأشد من مخالفة السواد للبياض، فلو كانت تلك المخالفة مانعة للصوت من صحة أن يرى لوجب لكون السواد مخالفا للبياض أن يمتنع رؤيته. ولما كان هذا الكلام فاسدا فكذا ما قالوه، والعجب من القاضي أنه لما حكى هذه الوجوه عن الأشعرية في مسألة الرؤية وزيفها بهذه الأسئلة، ثم إنه نفسه تمسك بها في هذه المسألة التي هي الأصل في إثبات النبوة والرد على من أثبت متوسطا بين الله وبيننا. أما الوجه الثاني وهو أن
(٢٠٧)