القول بصحة النبوات لا يبقى مع تجويز هذا الأصل فنقول: إما أن يكون القول بصحة النبوات متفرعا على فساد هذه القاعدة أو لا يكون. فإن كان الأول امتنع فساد هذا الأصل بالبناء على صحة النبوات، وإلا وقع الدور، وإن كان الثاني فقد سقط هذا الكلام بالكلية. وأما الوجه الثالث: فلقائل أن يقول الكلام في الإمكان غير، ونحن لا نقول بأن هذه الحالة حاصلة لكل أحد بل هذه الحالة لا تحصل للبشر إلا في الأعصار المتباعدة فكيف يلزمنا ما ذكرتموه؟ فهذا هو الكلام في النوع الأول من السحر.
النوع الثاني من السحر: سحر أصحاب الأوهام والنفس القوية، قالوا: اختلف الناس في أن الذي يشير إليه كل أحد بقوله: " أنا " ما هو؟ فمن الناس من يقول: إنه هو هذه البنية، ومنهم من يقول: إنه جسم صار في هذه البنية، ومنهم من يقول: بأنه موجود وليس بجسم ولا بجسماني. أما إذا قلنا إن الإنسان هو هذه البنية، فلا شك أن هذه البنية مركبة من الأخلاط الأربعة، فلم لا يجوز أن يتفق في بعض الأعصار الباردة أن يكون مزاجه مزاجا من الأمزجة في ناحية من النواحي يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة عنا والمتعذرة، وهكذا الكلام إذا قلنا الإنسان جسم سار في هذه البنية، أما إذا قلنا: إن الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال: النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس إن كانت لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغائبة، فهذا الاحتمال مما لم تقم دلالة على فساده سوى الوجوه المتقدمة، وقد بان بطلانها، ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال وجوه. أولها: أن الجذع الذي يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته، وما ذاك إلا أن تخيل السقوط متى قوي أوجبه، وثانيها: اجتمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر، والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان والدوران، وما ذاك إلا أن النفوس خلقت مطيعة للأوهام، وثالثها: حكى صاحب الشفاء عن " أرسطو " أن طبائع الحيوان: أن الدجاجة إذ تشبهت كثيرا بالديكة في الصوت وفي الحراب مع الديكة نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك، ثم قال صاحب الشفاء: وهذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية، ورابعها: أجمعت الأمم على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر، فدل ذلك على أن للهمم والنفوس آثارا وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة وحكمة مخصوصة، وخامسها: أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادىء القريبة للأفعال الحيوانية ليست إلا التصورات النفسانية لأن القوة المحركة المغروزة في العضلات صالحة للفعل وتركه أو ضده، ولن يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح وما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا أو تصور كونه قبيحا أو مؤلما فتلك التصورات هي المبادىء لصيرورة القوى العضلية مبادئ للفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت كذلك بالقوة، وإذا كانت هذه التصورات هي المبادىء لمبادئ هذه الأفعال فأي استبعاد في