كونها مبادئ لأفعال أنفسها وإلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار، وسادسها: التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان تشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيده سخونة قوية.
يحكى أن بعض الملوك عرض له فالج فأعيا الأطباء مزاولة علاجه، فدخل عليه بعض الحذاق منهم على حين غفلة منه وشافهه بالشتم والقدح في العرض، فاشتد غضب الملك وقفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام فزالت تلك العلة المزمنة والمرضة المهلكة. وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن. وسابعها؛ أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليه العقلاء وذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه. إذا عرفت هذا فنقول: النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات والأدوات وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أن النفس إذا كانت مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم (السماء) كانت كأنها روح من الأرواح السماوية، فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم، أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذه البدن، فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثير من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير ووضعه عند الحس واشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه وأقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية، ولذلك أجمعت الأمم على أنه لا بد لمزاولة هذه الأعمال من انقطاع المألوفات والمشتهيات وتقليل الغذاء والانقطاع عن مخالطة الخلق. وكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى، فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الأمر نظرا إلى ماهيتها وخاصيتها عظم التأثير، والسبب المتعين فيه أن النفس إذا أشعلت بالجانب الأول اشتغلت جميع قوتها في ذلك الفعل وإذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرقت قوتها وتوزعت على تلك الأفعال تتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة من تلك القوة وجدول من ذلك النهر. ولذلك نرى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة واشتغل الآخر بصناعتين. فإن (ذا الفن) الواحد يكون أقوى من ذي الفنين، ومن حاول الوقوف على حقيقة مسألة من المسائل فإنه حال تفكره فيها لا بد وأن يفرغ خاطره عما عداها، فإنه عند تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه فيكون الفعل أسهل وأحسن، وإذا كان كذلك فإذا كان الإنسان مشغول الهم والهمة بقضاء اللذات وتحصيل الشهوات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها، فلا يكون انجذابها إلى تحصيل الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا لا سيما وههنا آفة أخرى وهي أن مثل هذه النفس قد اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره، ولم تشتغل قط باستحداث هذه الأفعال الغريبة، فهي بالطبع حنون إلى الأول عزوف إلى الثاني، فإذا وجدت مطلوبها من النمط الأول فإني تلتفت