رسول الله (ص) بالسير فيه، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه، وقالوا ثقة بالله، وتوكلا عليه، إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه من المشركين * (حسبنا الله ونعم الوكيل) * يعني بقوله: حسبنا الله: كفانا الله، يعني: يكفينا الله، ونعم الوكيل، يقول: ونعم المولى لمن وليه وكفله، وإنما وصف تعالى نفسه بذلك لان الوكيل في كلام العرب: هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآيات قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله، ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم.
واختلف أهل التأويل في الوقت الذي قال من قال لأصحاب رسول الله (ص): * (إن الناس قد جمعوا لكم) * فقال بعضهم: قيل ذلك لهم في وجههم الذي خرجوا فيه مع رسول الله (ص) من أحد إلى حمراء الأسد في طلب أبي سفيان ومن معه من المشركين.
ذكر من قال ذلك، وذكر السبب الذي من أجله قيل ذلك، ومن قائله:
حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: مر به، يعني برسول الله (ص) معبد الخزاعي بحمراء الأسد، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله (ص) بتهامة صفقتهم معه، لا يخفون عليه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال: والله يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم!
ثم خرج من عند رسول الله (ص) من حمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله (ص) وأصحابه، وقالوا: أصبنا في أحد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم. فلما رأى أبا سفيان معبدا، قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فهم من الحنق عليكم بشئ لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا