والعجيب أن عددا من " خيوط العنكبوت " المنسوجة على مدخل الغار كانت سببا لانحراف فكر الأعداء الألداء، وأن يعودوا قافلين آيسين بعد وصولهم إلى هذا الغار، وأن يسلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كيدهم.
فحيث أن بإمكان الله أن يغير مسير التأريخ، ببضعة خيوط من نسيج العنكبوت، فأية حاجة بهذا أو ذاك ليبدي كل معاذيره!!
وفي الحقيقة فإن جميع هذه الأوامر هي لتكامل المسلمين أنفسهم، لا لرفع الحاجة لدى الله سبحانه... وتعقيبا على هذا الكلام يدعو المؤمنين جميعا مرة أخرى - دعوة عامة - نحو الجهاد ويعنف المتسامحين فيقول سبحانه: انفروا خفافا وثقالا.
" الخفاف " جمع الخفيف، " الثقال " جمع الثقيل، ولهاتين الكلمتين مفهوم شامل يستوعب جميع حالات الإنسان. أي انفروا في أية حالة كنتم شبابا أم شيوخا، متزوجين أم غير متزوجين، تعولون أحدا أم لا تعولون، أغنياء أم فقراء، مبتلين بشئ أم غير مبتلين، أصحاب تجارة أو زراعة أم لستم من أولئك!
فكيف ما كنتم فعليكم أن تستجيبوا لدعوة الداعي إلى الجهاد، وأن تنصرفوا عن أي عمل شغلتم به، وتنهضوا مسرعين إلى ساحات القتال، وفي أيديكم السلاح.
وما قاله بعض المفسرين من أن هاتين الكلمتين تعنيان مثلا واحدا مما ذكرنا آنفا، لا دليل عليه أبدا، بل إن كل واحد مما ذكرناه مصداق جلي لمفهومها الوسيع.
ثم تضيف الآية قائلة: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم أي جهادا مطلقا عاما من جميع الجهات، لأنهم كانوا يواجهون عدوا قويا مستكبرا، ولا يتحقق النصر إلا بأن يجاهدوا بكل ما وسعهم من المال والأنفس.
ولئلا يتوهم أحد أن هذه التضحية يريدها الله لنفسه ولا تنفع أصحابها، فإن الآية تضيف قائلة: ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.