وإنما قال: وفوض إليكم إعمار الأرض واستعمركم فيها وهي إشارة إلى أن الوسائل معدة فيها لكل شئ وعليكم إعمارها بالعمل والسعي المتواصل والسيطرة على مصادر الخيرات فيها. وبدون ذلك لاحظ لكم في الحياة الكريمة.
كما يستفاد ضمنا أنه ينبغي من أجل الإعمار أن يعطي المجال لأمة معينة في العمل، وتجعل الأسباب والوسائل اللازمة تحت تصرفها وفي اختيارها.
فإذا كان الأمر كذلك فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب لدعواتكم.
3 الاستعمار في القرآن وفي عصرنا الحاضر:
لاحظنا في الآيات المتقدمة أن نبي الله " صالحا " من أجل هداية وتربية قومه الضالين " ثمود " ذكرهم بعظيم خلق الله لهم من التراب.. وتفويض إعمار الأرض إليهم إذ قال: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها....
لكن هذه الكلمة مع جمالها الخاص وجذابيتها التي تعني العمران وتفويض الاختيارات وإعداد الوسائل اللازمة وتهيأتها، تبدلت هذه الكلمة في عصرنا إلى درجة أنها مسخت وأصبحت تعطي معنى معاكسا لمفهوم القرآن تماما.
وليست كلمة الاستعمار وحدها انتهت إلى هذا المصير المشؤوم، فهناك كلمات كثيرة في العربية وفي لغات أخرى مسخت وحرفت وتبدلت وانقلبت رأسا على عقب، مثل كلمات " الحضارة " و " الثقافة " و " الحرية " وفي ظلال هذه التحريفات تأخذ هذه الكلمات وأمثالها طريقها إلى التغرب والبعد عن معناها، وتتحول لعبادة المادة وأسر الناس وإنكار الحقائق والتوغل في كل أنواع الفساد وما إلى ذلك.
وعلى كل حال، فإن معنى " الاستعمار " في عصرنا ومفهومه الواقعي هو " استيلاء الدول العظمى السياسية والصناعية على الأمم المستضعفة قليلة القدرة،