الليلة من ليالي الشهر.
وقد يتصور البعض أن نصف الشهر الثاني تتكرر في صور النصف الأول بعينها، وأن صورة القمر في ليلة الإحدى والعشرين مثلا هي بعينها صورته في الليلة السابقة، إلا أن هذا اشتباه كبير، لأن جانب النقص في القمر في النصف الأول هو الطرف الأعلى، في حين أن جانب نقصه في النصف الثاني من الطرف الأسفل، وبتعبير آخر فإن أطراف الهلال الدقيقة تكون إلى الشرق في البداية، بينما هي في الجانب الغربي عند أواخر الشهر، إضافة إلى أن القمر يرى في الغرب أوائل الشهر، أما في أواخره فإنه يرى في الشرق، ويتأخر كثيرا في طلوعه. وعلى هذا فإنه يمكن الاستفادة من شكل القمر مع تغييراته التدريجية كعداد يومي، ولتحديد أيام الشهر بدقة من خلال شكل القمر.
على كل حال، فإننا في هذه الموهبة التي نسميها " النظام التأريخي "، مدينون لهذا الخلق الإلهي، ولولا حركات القمر والشمس (والأرض) لكان لنا وضع مضطرب وفوضوي في الحياة لم يكن في الحسبان تصوره.
إن السجناء في الزنزانات الانفرادية المظلمة، والذين أضاعوا الزمان والأوقات ولم يهتدوا إليها، قد أحسوا بهذه الحيرة وعدم الهدفية والتكليف.
يقول أحد السجناء في عصرنا الحاضر الذي قضى شهرا في زنزانة انفرادية مظلمة لعملاء الظالمين: لم تكن لي أية وسيلة أو طريقة لتحديد أوقات الصلاة، إلا أنهم عندما كانوا يأتونني بالغداء كنت أصلي الظهر والعصر، وإذا ما أتوا بالعشاء أصلي المغرب والعشاء، وصلاة الصبح عادة مع الفطور! ولكي أحسب الأيام فإني كنت آخذ وجبات الطعام بنظر الاعتبار، فكل ثلاث وجبات أعدها يوما، غير أني لا أعلم ماذا حدث عندما خرجت من السجن، فقد رأيت اختلافا بين حسابي وحساب الناس!.
* * *