بدلا من هدى، فقد قصدوا الضلال بدلا من الهدى، وإن لم يقصدوه من وجه أنه ضلال. ولا يجوز أن يقول: قصدوا أن يضلوا. لأنه يوهم أنهم قصدوه من هذا الوجه، كما ينبئ علموا أنهم يضلون غير أنهم علموه من هذا الوجه، ويجوز قصدوا الضلال، وعلموا الضلال، لأنه لا ينبئ على هذا الوجه وإنما علموه، وقصدوه من وجه آخر، وهو جحدهم محمدا صلى الله عليه وآله بدلا من التصديق به.
وقوله تعالى: " فما أصبرهم على النار " الفاء معناها معنى الجواب، لان الكلام المتقدم قد تضمن معنى من كان بهذه الصفة، " فما أصبرهم على النار " فعومل معاملة المعنى الذي تضمنه حتى كأنه قد لفظ به. والعجب لا يجوز على القديم تعالى، لأنه عالم بجميع الأشياء، لا يخفى عليه شئ. والتعجب يكون مما لا يعرف سببه. وإنما الغرض - من الآية - أن يدلنا على أن الكفار حلو محل من يتعجب منه، فهو تعجيب لنا منهم. وقد قيل في معنا (ما) في قوله " فما أصبرهم على النار " قولان:
أحدهما - قال الحسن، وقتادة، ومجاهد: إنها للتعجب. والثاني - قال ابن عباس، وابن جريج، وابن زيد والسدي: إنها للاستفهام. وقيل في معنا " أصبرهم " أربعة أقوال:
أحدها - ما أجرأهم على النار، ذهب إليه الحسن وقتادة. والثاني - قال مجاهد: ما أعملهم بأعمال أهل النار. وهو المروي عن أبي عبد الله (ع). والثالث - حكاه الزجاج: ما أبقاهم على النار، كما تقول: ما أصبره على الحبس. والرابع - ذكره الفراء: ما صبرهم على النار أي حبسهم عليها. وقال الكسائي: هو استفهام على وجه التعجب. قال أبو العباس: المبرد: هذا حسن كأنه توبيخ لهم وتعجيب لنا، مثل قولك للذي وقع في هلكة ما اضطرك إلى هذا، إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها. يقال: أصبرت السبع، والرجل، ونحوه إذا نصبته لما يكره.
وقال الحطيئة:
قلت لها أصبرها جاهدا * ويحك أمثال طريف قليل: (1)