واختاره الجبائي، وأكثر أهل العلم: انهم اليهود، والنصارى: مثل كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد، وابن صوريا، وزيد بن تابوه، وغيرهم من علماء النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وآله، ونبوته: وهم يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل مبينا فيهما.
والثاني - ذكر البلخي: أنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله وهو أعم، لأنه يدخل فيه أولئك وغيرهم، ويروى عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار سألوا نفرا من اليهود عما في التوراة، فكتموهم إياه، فأنزل الله عز وجل " إن الذين يكتمون " الآية. وإنما نزل فيهم هذا الوعيد، لان الله تعالى علم منهم الكتمان، وعموم الآية يدل: على أن كل من كتم شيئا من علوم الدين، وفعل مثل فعلهم في عظم الجرم أو أعظم منه، فان الوعيد يلزمه، وأما ما كان دون ذلك، فلا يعلم بالآية بل بدليل آخر. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من سئل عن علم يعلمه، فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. وقال أبو هريرة: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم وتلا " إن الذين يكتمون ما أنزل الله " الآية، فهذا تغليظ للحال في كتمان علوم الدين.
وكتمان الشئ اخفاؤه مع الداعي إلى اظهاره، لأنه لا يقال لمن أخفى مالا يدعوا إلى اظهاره داع: كاتم. والكتاب الذي عني هاهنا قيل التوراة. وقيل كل كتاب أنزله الله. وهو أليق بالعموم. وقال الزجاج: هو القرآن، واستدل قوم بهذه الآية على وجوب العمل بخير الواحد من حيث أن الله تعالى توعد على كتمان ما أنزله، وقد بينا في أصول الفقه أنه لا يمكن الاعتماد عليه، لان غاية ما في ذلك وجوب الاظهار، وليس إذا وجب الاظهار وجب القبول، كما أن على الشاهد الواحد يجب إقامة الشهادة وإن لم يجب على الحاكم قبول شهادته، حتى ينضم إليه ما يوجب الحكم بشهادته، وكذلك يجب على النبي صلى الله عليه وآله إظهار ما حمله، ولا يجب على أحد قبوله حتى يقترن به المعجز الدال على الصدق، ولذلك نظائر ذكرناها. على أن الله تعالى بين أن الوعيد إنما توجه على من كتم ما هو بينة وهدى وهو الدليل، فمن أين أن خبر الواحد بهذه المنزلة، فإذا لا دلالة في الآية على ما قالوه، والبينات والهدى هي الأدلة